الاستشراق عند مالك بن نبي و الاستشراق اليوم

عدد القراءات :2993

د.مازن مطبقاني
مركز المدينة المنورة
للدراسات الأوروبية والأمرييكة

عاش مالك بن نبي رحمه الله ، في قلب الاستشراق الأوروبي في العاصمة الفرنسية، عاش ثلاثين سنة أمضى وقتا قصيرا يدرس الكهربـاء والعلوم بينما أمضى أكثر وقته يدرس الغـرب وتفاعل معه ماضيا وحاضرا واستشراف المستقبل، وأدرك بن نبي الاستشراق بعمق واكتشف أسالبيه وحيله وممارساته وكان أن حدد صنفين، أولا من ناحية الزمن فطبقة القدماء وصل بهم إلى جولدزيهر، أما من حيث الاتجاه العام فهناك “طبقة المادحين للحضارة الإسلامية، وطبقة المنتقدين لها المشوهين لسمعتها ” .
ولئن صدق هذا التصنيف على العموم فإن التفاصيل تدل على أن الاستشراق القديم الذي يرى أنهم ” أثّروا ولا يزالون يؤثرون على مجري الأفكار في العالم الغربي دون أيما تأثير على أفكـارنا نحن معشر المسلمين” هو في الواقع لا يزال مؤثرا فينا أيما تأثير ، فحين ذكر جولد زيهر تذكرت أن جامعة برنستون الأمريكية أعادت ترجمة كتابه دراسات إسلامية ونشرته عام 1985م، أي بعد وفاة مالك بن نبي رحمه الله باثنتي عشرة سنة واحتفت ولا تزال جامعة ليدن تحتفي بالمستشرق المشهور سنوك هورخرونيه وقد عاش في المدة الزمنية التي عاشها جولدزيهر .
أما الصنفان الآخران وهما : الكتابات الاستشراقية تلك التي تسعى إلى الهدم والتشويه، والأخرى التي تقوم بالتخذير والتنويم من خلال المدح والثناء، فلم يعودوا صنفين فقط فقد اختلط الصنفان في كثير من كتاباتهم فمنهم المادح والمثني وفي الوقت نفسه يقوم بالتشويه الحاقد المتعمد ومن الأمثلة القريبة على ذلك جوستاف لويون، فحتى لو ذكر أن العرب كانوا أعدل الفاتحين وأرحمهم لكنه إتهم الرسالة المحمدية بأنها خاصة بالعرب حتى يقول : “ن كان لليهود أنبياء وكتب فلماذا لا يكون للعرب كتاب ونبي؟”، ولم يكن حديثه عن القرآن والوحي لائقا فقد وصفه بأنه نوع من الصرع – حشاه صلى الله عيه وسلم- ، أبا الحسن الندوي في تجلية هذه النقطة حيث ذكر في مؤتمر من المؤتمرات أن المستشرق يقدم عدة حسنات أو محاسن للإسلام ثم يتبعها بشبهة أو فرية يفسد كلَّ ما قدم، ونظل نحن نمتدح ذلك المستشرق أبداً .
وقد اتسعت مجالات اهتمامات الاستشراق وتأثيراته فبالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الطلاب العرب والمسلمين الذين درسوا ويدرسون في الجامعات الغربية انتشرت في عالمنا الإسلامي المدارس الأجنبية من الابتدائية حتى الجامعة بل أصبحت الجامعات مثل الدكاكين أو حوانيت البقالات وبخاصة في منطقة الخليج العربي الذي تكاد لغته العربية أن تندثر واستمرت البعثات ولم يتوقفوا عند ذلك فقد ازدادت مؤتمراتهم وورش العمل والنشاطات الاستشراقية التي لا حدود لها. فقبل عامين تقريبا تقدِّم جامعة ليدن (معهد دراسات العالم الإسلامي في العصر الحديث) خمسين منحة ثمـانية عشرة منها للدكتوراه والباقي للماجستير في مجال الدراسات الإسلامية .
نعم نحن بحاجة ماسة لاستعـادة كل ما كتبه مالك بن نبي رحمه الله ولكننا في الوقت نفسه علينا أن نواكب خطوات الاستشراق والمستشرقين لنستوعبها ولنطور جامعاتنا حتى تغطي الحاجة إلى التعليم العالي في المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
سوف يقدم الباحث موجزا لنظرة مالك بن نبي رحمه الله في الاستشراق من خلال عدد من مؤلفاته وبخاصة كتابه ” آثار المستشرقين”، وأبرز القضايا التي تناولها في مجال الصراع الفكري، وفي مبحث ثان يقدم قضية الابتعاث بين مالك بن نبي وحمود شاكر وفي المبحث الثالث يقدم الجديد في عالم الاستشراق ما بعد عصر مالك بن نبي رحمه الله ، و يختهم البحث بتوصيـات حول سبل مواجهة المد الاستشراقي التغريبي .

المبحث الأول :رؤية مالك بن نبي- رحمه الله – للاستشراق
لم يخصص مالك بن نبي للاستشراق سوى بحث قصير حول إنتاجهم وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، ولكن لا تكاد تخلو كتاباته كلها من الاهتاسم بهم وبآثارهم، وقد بدأ هذا البحث الموجز بتقسيم المستشرقين إلى طبقتين، إحداهما القديمة وأقول والقديمة جدا من أمثار جربر دوريباك وتوماس الإكويني، وطبقة المحدثين مثل جولدزيهر ثم قسمهم من حيث الاتجاه العام إلى المادحين للحضارة الإسلامية، والطبقة الأخرى” المنتقدين لها المشوهين لسمعتها ” .
وبدأ في الحديث عن طبقة القدماء وأن تأثيرهم مقتصر على نفوذهم في الغرب”دون أيما تأثير على أفكارنا نحن معشر المسلمين”(2)، ثم يلتفت إلى الصنفين الآخرين وهم المادحين والذامين لحضارتنا قائلا : “وعلى فرض أنه مسً ثقافتنا إلى حد ما، إلا أنه لا يحرك ولم يوجه بصورة شاملة مجموعة أفكارنا لما كان في نفوسنا من استعداد لمواجهة أثره تلقائيا “(3).
والحقيقة أن هذا التأثير وصل إلينا بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فقد انتشرت المدارس الأجنبية في بلادنا العربية انتشار النار في الهشيم الذي يرجع تاريخه إلى القرن التاسع عشر أو منذ بدايات الاحتلال لأقطارنا، فكان التعليم قائم على ربط الطلاب بثقافة الغرب وأعلامه ورموزه وهذا ما قالـه إدوارد سعيد : “علمونا عن حياة إنكلترا و آدابها وعن النظام الملكي والبرلمان، عن الهند وإفريقيا…، ولما كان الانتماء العربي وتكلّم اللغة العربية يعدّان بمثابة جنحة يعاقب عليها القانون في فيكتوريا كوليدج، فلا عجب أن لا نتلقى أبدا التعليم المناسب عن لغتنا وتاريخنا وثقافتنا وجغرافية بلادنا”(4)، ويخلص المشهد بقوله :”فقد بتنا ندرك جميعنا أننا دونيون نواجه قوة كولونيالية جريحة وخطـرة بل وقابلة لأن تؤذينا، ونحن مجبرون على تعلم لغتها واستيعاب ثقافتهــا”(5) و أكد هذا غيره ممن درس في مثل هذه المدارس والجامعات و منهم الدكتور مالك بدري الذي درس في الجـامعة الأمريكيـة وإن كان التـأثير عليه وعلى الدكتور إسحق الفرحان عكسيا حيث إن ما كانوا يتلقونه من تشويـه للإسـلام ونبـيه وعقائده جعلهما يسعون إلى معرفة الإسلام وبالتالي أصبحا من كبار المفكرين الإسلاميين .
ويحمل بن نبي – رحمه الله – نظرته إلى الاستشراق وسلبيته بالقول: “وبالتالي يتبين لنا أن الإنتاج الاستشراقي بكلى نوعيه، كان شرًّا على المجتمع الإسلامي، لأنه ركب في تطوره العقلي عقدة الحرمان سواء في صورة المديح والإطراء التي حولت تأملاتنـا عن واقعنـا في الحاضر وأغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا أو في صورة التنفيذ والإقلال من شأننا بحيث صيرتنا حماة الضيم في مجتمع منهار”(6) و قد أدرك هذه الصورة الباحث حيدر حب الله حين كتب يقول : ” بل بلغ الأمر حد اعتقاد مفكر كبير من أمثال مالك بن نبي أن الاستشراق قام بمؤامرته عن طريق تبجيل المسلمين أكثر أو يرى في تقريظه للفكر والتاريخ الإسلامي سمّاً في المسلمين كما أثاره مالك بن نبي (7) .
ويتفق معه محمود شاكر في ذلك حين يصف المستشرقين بـ” حملة هموم الشمال المسيحي”، ويحملهم من مسؤولية كبيرة في التـأثير في حياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية ووصفهم بقوله: “وهم أهم وأعظم طبقة تمخضت عنها اليقظة الأوروبية لأنهم جند المسيحية الشمالية، الذين وهبوا أنفسهم للجهاد الأكبر “(8) .
بل يرى محمود شاكر أن الاستشراق لم يـدرس بعد الدراسة الكـافية حيث يقول : “وهو سلاح (الاستشراق) سلاح لم يدرسه المسلمون بعد، ولم يتتبعوا تاريخه، ولم يكشفوا عن مكايدة وأضاليله، ولم يقفوا على الخفي من أسرار مكره، ولم يستقصوا أثره في حياتهم الثقافية، بل في أكثر نواحي حياتهم الإنسانية كيف؟ بل الأمر عكس ما كان ينبغي أن يكون، فهم يتدارسون ما يلقيه إليهم على أنه علم يتزوده المتعلم، وثقافة تتشربها النفوس”(9) .

المبحث الثاني :الابتعاث عن مالك بن نبي وعند محمود شاكر رحمهما الله
يرى مالك بن نبي رحمه الله أن البلاد المستعمرة تجهل حقيقة الصراع الفكري وإنما تعرف نتائجــه السلبية في حياتها وضرب مثلا لذلك بالبعثات العلمية لطلاب الدراسات العليا – وأعتقد أنه يقصد المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا ما بعد البكالوريوس – وأشار إلى أن عمل الدول العربية ينتهي بمجرد ما تخرج البعثة من أرضها، إذ تصبح شؤونها مجرد عملة صرف يقوم بها البنك الذي يؤدي لكل طالب مبلغه الشهري(10)، ويأتي بعد ذلك تدخل دوائر الاستعمار في حياة المبتعث حيث يصبح المبتعث في يدي المستعمر يحيطه بكل رعاية (ليست الرعاية الإيجابية) فيعد لكل فرد من أفرادها ملفا خاصا لا يغادر كبيرة ولا صغيرة من تصرفاته إلا أحصاها حتى لا يكون لدى الاستعمار عن تلك البعثة معلومات أكثر مما هي عند المصلحة أو الوزارة التي أرسلتها “(11) .
وهنا يبذل الاستعمار كل مواهبه الشيطانية حتى لا تعود البعثة بطائل لبلادها إذ يتصرف من أجل ذلك طبقا للمعلومات التي سجلتها الملفات: فهو يغذي الهوى والشهــوات دون أن يصـرف قطميرا، فإن التكاليف تدفعها ميزانية البلاد المستعمرة ذاتها والبنك المختص يؤديها والحمد لله في كل شهر …(12) .
ثم بعد سنوات من ذهـاب تلك البعثة التي أرسلناها للخـارج تأتي النتيجة النهائية : أن بعض أفرادها يعودون إلى البلاد بخفي حنين لأن التوجيهات الاستعمارية المحكمة حطمتها في الطريق، والبعض الآخر لا يريد العودة لأن الاستعمـار حين لاحظ امتيازهم في العلوم مثلا لم ير من مصلحته أن يتركهم يعودون فاتخذ كل الإجراءات اللازمة من أجل ذلك بكل ما لديه من وسائل الإغراء.
غير أن هذه الأشياء لا تصل إلينا إلا في صورة مجملة كمجرد أنباء نتلقاها من الصحافة اليومية دون تصور أسبابها الكـامنة ودون أن نشعر أن هذه الفضائح اليومية تنبع من فضيحة كبرى هي تصورنا الصبياني للعـالم الذي نعيش فيه، وبعبارة أخرى : عن البلاد المستعمرَة تعـيش الصـراع الفكــري وتسجل نتائجه السلبية في حياتها أو ميزانيتها وفي أخلاقهـا دونه أن تعلن عن الحقيقة شيئـا، و تترك المعركة في وجوه نشاطها نتائجها المتنوعة دون أن تعلن عن حقيقته شيئا، وتترك المعركة في وجوه نشاطها نتائجها المتنوعة دون أن تشعر تلك البلاد أن معركة مرت بأرجائها”(13) .
بينما يرى محمود شاكر رحمه الله أن الاستعمــار والاستشراق وجهان لعملة واحدة حيث يقول : “الاستشراق كما رأيت قبل هو عين “الاستعمار” التي بها يبصر ويحدق، ويده التي بها يحس ويبطــش، ورجله التي بها يمشي ويتوغل، وعقله الذي به يفكر ويستبين، ولولاه لظل في عميائه يتخبط(14) .
ويختار مالك بن نبي أن ينسب الصراع الفكري إلى الاستعمار، ومن خلال قراءة كتابات مالك بن نبي يتبين أنه لم يفرق حقيقة بين الاثنين، ولكنه لم يشر إلى ذلك بصراحة في حديثة عن الابتعاث وأعرف أنه يدرك هذا المعنى تماما وقد أشرت إليه في كتابي ” المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق” بالقول : “لم يكن الاستشراق حركة محضة بحيث يقبع المستشرقون في مكاتبهم يبحثون في أحوال المغرب العربي أو يقومون بدراسات ميدانية بل تولى عدد منهم مناصب سياسة مهمة حتى إن القليل منهم من عرف بوصفه مستشرقا”(15) .
وكانت بداية الابتعاث في زمن محمد علي بتخطيـط وتدبيـر من الاستشراق وفي ذلك يوضح محمود شاكر أن فرنسيا مستشرقـا شارك في الحملة الفرنسية على مصر وهو المستشرق”فانتور” الذي خطط أن يقـوم خليفة نـابليون في مصر أن يجمع 500 أو 600 شخص من المماليك فإن لم يجد العدد كافيا فليستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان ويسفرهم إلى فرنسا فإذا ما وصلوا حجزوا سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على لغتنا وتقاليدنا فإذا ما عادوا إلى مصر كان لفرنسا منهم حزب يضم إليهم غيرهم” (16) .
لقد سنحت لجومار أعظم فرصة باستجابة محمد على لإرسال بعثات إلى أوروبة، فبني مشروعه لا على كبار السن من المماليك ومشايخ البلدان، بل على شباب غض يبقون في فرنسا سنوات تطول أو تقصر، يكونون أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها، فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبا لفرنسا، وعلى مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب صغيرها وكبيرها، ويكون أثرهم أشد تأثيرا في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكـار التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام ومصر، هكذا طور جومار مشروع نابليون الذي لم يستطيع “كليبر” أن يحققه وهلك دونه .
ولم يتحقق المشروع ولكن حدث فيما بعد أن ” نجح جومار، ونجح الاستشراق ” وقناصله في إغراء محمد علي بإرسال بعثة كبيرة من شباب مصر إلى فرنسا في يوليه سنة (1876م – 1276هـ)، وكانت كلها تحت إشراف “جومار” يصنعها على عينه كانوا شبابا صغارا ليس في عقولهم ولا قلوبهم إلا القليل الذي لا يغني من “الثقافة المتكاملة” التي عاشت فيها قرونا متطاولة ووضعهم جومار تحت أيدي : المستشرقين”يوجهونهم من حيث لا يشعـرون إلى الجهة التي يريدونها ويعطونهم القدر اليسير المتفق عليه بينهم من العلوم التي يدرسونها ثم يردوهم بعد سنوات قلائل إلى مصر”(17) ، ويتفق محمود شاكر مع بن نبي في نتائج البعثات غير أنه لم يكن في ذلك الوقت محاولات للاستحواذ على أي من المبتعثين وإبقائهم في أوروبا وفي ذلك يقول محمود شاكر” كـانت أول بعثة في سنة (1862م-1241هـ) فيها 44 تلميذا أدخلهم مسيو جومار المدارس القرآنية، ليتعلموا اللغة والعلوم والفنون ثم أعيدوا بعد سنوات قلائل إلى بلادهم يتولون المناصب والأعمال وهذا شيء غريب جدا أن يكون هؤلاء الشبان قد حازوا في سنوات قلائل من العلوم والفنون التي شابت نواصي العلمـاء في سبيلهـا ما يؤهلهم للتدريس والصناعـات والأعمال وجلائل الأمور(18) .
ولتـأكيد فكرة إبقاء التلاميذ مدة أطول من المدة المقررة للبعثة ما أورده المؤرخ المغربي الكبير الشيخ محمد المنوني في كتابه “يقظة المغرب العربي”، أنه أرسلت بعثة لدراسة الهندسة والعلوم إلى فرنسا في عهد أحد السلاطين، فلما انتهت المدة المقررة للبعثة طلب المستشرق المشرف على هؤلاء الطلاب الإذن لهم بالبقاء في فرنسا مدة أطول ليتشبعوا بحضارة فرنسـا وعظمتها، وكأن المدة التي قضوها في الدراسة لم تكن كافية .

المبحث الثالث:الجديد في عالم الاستشراق
مات مالك بن نبي رحمه الله و مصطلح ” الاستشراق” يلفظ أنفاسه فقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي فكان من قرارات منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس1973م بأن يتم الاستغنـاء عن هذا المصطلح وأن يطلق على هذه المنظمة ( المؤتمرات العالمية للدراسات الإنسانية حول) آسيا وشمال أفريقيا ICHSANA(19)، وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية).
وقد عارض هذا القرار دول الكتلة الشرقية (روسيا والدول التي كانت تدور في فلكهـا)(20). ومــع ذلك ففي المؤتمر الدولي الخـامس والثلاثين للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بواديست بالمجـر كان مصطلح استشراق ومستشرقين يستخدم دون أي تحفظات مما يعني أن الأوروبيين الغربيين والأمريكيين هم الأكثر اعتراضا على هذا المصطلح ولعل هذا أو ليفيد المغـايرة بحيث يتحـدثون عن المستشرقين ليثبتوا أنهم غير ذلك بل هم مستعربون Arabists أو إسلاميون Islamists أو بامحثون في العلوم الإنسانية Humanists أومتخصصون في الدراسات الإقليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تختص ببلد معين أو منطقة جغرافية معينة أما موقفنا نحن من هذا التخصص أو التخصصات فإنه يسعنا ما وسع الغربيين فإن هم اختاروا أن يتركوا التسمية فلا بأس من ذلك شريطة أن لا نغفل عن استمرار اهتمامهم بدراستنا والكتابة حول قضايانا وعقد المؤتمرات ونشر الكتب والدوريات حول العالم الإسلامي واستمرار أهداف الاستشراق وأن لا يصرفنا تغيير الاسم عن الوعي والانتباه لما يكتبونه وينشرونه .
ما تزال الجامعات ومراكز البحوث تتبوأ مكانة خطيرة جدا في الغرب حتى إن الدكتور أحمد برصان قد كتب حول هذا الأمر قائلا ” أظهر دور المخـابرات المركزية في التعـاون مع الجامعات الأمريكية وأقسام الشرق الأوسط، من أجل دراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية واستقرارها، وبخاصة بعد الثورة الإيرانية حتى لا تكرر المفاجأة للولايات المتحدة في تعاملها مع الأزمات (21) .
وثمة جهات أخرى في الحكومة الأمريكية تهتم بالعالم الإسلامي، وبخاصة الحركات”الأصولية”، ومن ذلك قيام وكالة مخابرات الدفاع(DIA) بتمويل دراسة الباحث الأمريـكي من أصــل أرمـني ريتشارد هرير دكمجيان Richad Hrir Dikmijianعن الحركات الأصولية في العالم العربي(22) .
وقد أشار فيها إلى عدد من السياسيين الذين كـانوا أكاديميين في الأصل ثم انتقلوا إل العمل السياسي، والعكس أيضا. وأشار كذلك إلى جلسات الاستماع التي تعقدها لجان الكونجرس ووزارة الخارجية وحديثا وكالة الاستخبارات المركزية وتدعو أساتذة الجامعات أن يقدوا شهاداتهم أو آرائهم . كما إن الحكومة الأمريكية قد أنشأت العديد من مراكز البحوث و المعـاهد المتخصصة بالدراسات الإستراتيجية التي تستعين فيها بأساتذة الجامعات لإعداد البحوث والمشاركة في المحاضرات والندوات .
ومن الأمثلة الأخرى أن وكالة الاستخبارات المركزية قدمت لأستاذ ومسؤول في جامعة هارفد تمويلا لعقد ندوة عن”الإسلام والسياسة في العالم الإسلامي المعاصر” وهو ناداف سفران، وقد ألغيت الندوة بعد أن كشف أمرها وافتضح سرها كما اضطر سفران إلى الاستقالة من منصبه في الجامعة (23) .
كما إن النـدوات والمؤامرات تلقى تشجيعا ماديا ومعنويا من المؤسسات الخاصة، فعلى سبيل المثال أذكر مجموعة من المؤسسات والبنوك التي تمول نشاطات مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط بجامعة لندن وهي: الغرفة التجارية العربية البريطانية والمجلس البريطاني ووحدة الاستخبارات الاقتصادية ومؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي وبنك الخليج الدولي ومكتب الخارجية والكومنولث البريطاني ومكتب الاستعلامات الأردني والبنك الوطني الكويتي وشركة رولز رويس والبنك السعودي الدولي، والبنك السعودي البريطاني ومكتب الاستعلامات التونسي وشركة البترول البريطانية والبنك البريطاني للشرق الأوسط وشركة شل الدولية، وشركة ولكم التجارية الدولية، أما في أمريكا فعدد الجمعيـات الخيريـة والمؤسسات غير الربحية كبير جدا تتصدره مؤسسة روكفلر وكارنيجي وفورد وغيرهم بالإضافة إلى الدعم الحكومي الذي لم يتوقف يوما فهل تتوفر لجامعاتنا ومراكز البحوث لدينا مثل هذه الجهات المتبرعة ؟ .
وهناك مقاومة كبيرة لتدخل الجهات الحكومية من الاستخبارات المركزية أو الاستخبارات المختلفة أو الجهات والمؤسسات الحكومية الغربية من قبل أساتذة الجامعات ولكن التمويل المغري الذي تقدمه هذه المؤسسات يجعل أساتذة الجامعات ومراكز البحوث ومراكز الفكر في موقف ضعف فيرضخ بعضهم أو ربما كثير منهم لهذه الإغراءات، فقد ذكر زكاري لوكمان عن تلقي الباحث الأمريكي اليهودي ناداف سفران مبلغ مائة وسبعة ألف دولار لإعداد كتاب عن السعودية(24) .
ليس هذا فحسب بل أعلن معه دراسة العالم الإسلامي في العالم الحديث في هولندا قبل سنوات عن خمسين منحة دراسية لأبناء المسلمين ثماني عشرة منها لدراسة الدكتوراه واثنين وثلاثين لدراسة الماجستير في قضايا تخص العالم الإسلامي وقد بدأ تشجيع أبناء المسلمين على دراسة قضايا بلادهم منذ أكثر من خمسين سنة فحين كانت اللجنة الحكومية البريطانية برئاسة سير وليام هايتر بزيارة لجامعة ما قيل بكندا وبخاصة معهد الدراسات الإسلامية وجدوا طلابا مسلمين يدرسون قضايا بلادهم، فتعجوا من ذلك، ولكن هذا الأمر هو المعتاد لأنه أسهل للغربيين معرفة مشكلاتنا وعيوبنا عن طريق أبنائنا المبتعثين الذين يدرسون للحصول على الدرجـات العلمية هناك، وقد خاطب إدوارد سعيد بعض الطلاب اللبنانيين غاضبا حينما سألهم ماذا تدرسون؟ فقالوا جئنا لدراسة تاريخ لبنان، قال لهم ارجعوا إلى بلادكم وادرسوا تاريخكم هناك، أما هنا فادرسوا المجتمع الغربي والحياة الغربية و ليكن لكم رأي فيما يحدث في هذه البلاد ويمكن أن نضيف أن الباحثين الغربيين يخوضون في كل القضـايا التي تخصنـا ويعرفون عنـا التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ونحن نكاد نجهلهم بالكامل .

وسائل الإعلام و النشاطات الاستشراقية :
يرتبط الاستشراق بالإعلام ارتباطـا وثيقا فإن كثيرا أو معظم آراء المستشرقين لم تصبح معروفة لدى عامة الشعـوب الأوروبية والأمريكية لو لم يسعى الإعـلام إلى نشرها، كما إن عددا من المستشرقين يمارسون الكتـابة لوسائل الإعـلام المختلفة رغبة في نشر فكرهم أو أداء لرسالة يعتقدون أنهم مكلفون بإيصاله إلى شعوبهم ولئن كان هذا المجال من النشاط يختلف عن الاستشراق الأكاديمي لكنه يلتقي معه في الاهتمام بالعالم العربي الإسلامي وقضاياه المختلفة، ولا شك أن ثمة تأثير متبادل بين الإعلام والاستشراق الأكاديمي حيث يرجع الإعلاميون إلى الدراسات الاستشراقية لتزويدهم بالمعلومات و المواقف، كما إن بعض المستشرقين ينشطون في وسائل الإعلام، وقد كتب المستشرقون لهيئة الإذاعة البريطانية منذ انطلاقة بثها باللغة العربية كما كتبوا لمجلة “المستمع العربي”، ثم” هنا لندن”، ثم”المشاهد السياسي”، وكان للسفارات الأمريكية مجلة عربية اسمها “المجال” استكتب فيها كثير من المستشرقين لنشر الثقافة و الحياة الأمريكية .

محاولة لمواجهة الاستشراق :
قد أدرك العرب و المسلمون خطورة أقسام دراسات الشرق الأوسط، وما تحدثه من تشويه للحقائق حول أوضاع البلاد العربية الإسلامية، وكذلك حول الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخا، فحـاولوا إنشاء كرَاسٍ للدراسات العربية الإسلامية وواجهوا صعوبات جمة في هذا الأمر، ومن ذلك ما ذكره منصف السليمي من أن هذه المحاولات “وُوجهت بضغط قوي من قبل اللوبي الإسرائيلي”(25)، وقد تناول الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي – رحمه الله – هذا الموضوع وحدد المشكلات والسلبيات التي يواجهها إنشاء أقسام أو كراسيَّ للدراسات العربية الإسلامية، وكان مما ذكره من هذه السلبيات ما يأتي :
1- أن صاحب كرسي للدراسات الإسلامية ليس له صلاحيات في تحديد المسافات الدراسية لأن القسم هو صاحب هذه الصلاحيات.
2- أنه ليس للأستاذ أي رأي في قبول طلاب القسم أو اختيارهم للمساقات المتوفرة .
3- أن القسم هو الذي يخطط للنشاط الثقافي من محاضرات وندوات وغير ذلك فلا يحق للأستاذ أن يلقي محاضرة يتحدث فيها عن الإسلام .
4- أن المراجع التي يتم اختيارها إما أن يكون مؤلفوها منصرين أو مستشرقين، ولا تقبل المراجع التي كتبها مسلمون، لأنها في الغالب توصف بالتشدد وعدم الموضوعية وتوصف أحيانا بأنها أعلى من مستوى الطلاب (26) .
ويصل الفاروقي إلى الرأي بأنه لا فائدة من إقامة هذه الكراسي، حيث يقول: “لهذه الأسباب مجتمعة نرى أنه لا فائدة من إقامة كراسي أستاذية للدراسات الإسلامية في الجامعات الأمريكية، وأن إنشاءها بدون قيد أو شرط إهانة للإسلام و المسلمين جميعا وازدراء متقطع النظير للجهة المترعة (27) .
و يبدو أن هذا الرأي فيه استسلام منه رحمه الله و إلا فعلينا أن نعرف الطرق المناسبة لإيجاد هذه الكراسي لتخدم أهداف الأمة الإسلامية وليس لتخدم أهدافا قُطْرية أو فرديـة محدودة وتكون أبعد ما تكون عن تشويه صورة الإسلام والمسلمين والحقيقة لم يعمل المسلمون بنصيحة الفاروقي، فهذه كراسي الدراسات العربية والإسلامية وكراسي الدراسات الإقليمية، ومنها كرسي الملك فيصل في جامعة جنوب كاليفورنيا وكرسي الدراسات العربية والإسلامية الذي نشأ بدعم سخي من مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية، وغيرها كثير .
وقد أدك ذلك الباحث الأمريكي المسلم الحاج تعليم علي ( تي بي إيرفينج (TB. Irving في تقرير أعده عام1983م، وتم تحديثه عام 1975م، أي قبل صدور كتاب إدوارد سعيد بثلاث سنوات فقط، فيقول في ختام هذا التقرير: “تناول هذا المسح مجتمع علماء الشرق الأدنى وخبراءه الذين يقودون الولايات المتحدة إلى كارثة في تعاملها مع الشرق فهم لم يعلموا بلادهم بدقة، وبالتالي فهم ليسوا علماء حقا … إن هدفهم أن يجعلوا الإسلام يبدو كأنه آت من القرون الوسطى وبعيد عن العصر، كما فعل البروفيسور جوستاف فون جرونباون Gustav Von Gruanbaum “(28) .
وهكذا نجد أن أي محاولة لتصحيح مسار دراسات الشرق الأوسط تواجه بحرب عنيفة لم تتوقف حتى اليوم فها هو إدوارد سعيد يُوصفُ كتابه الاستشراق في إحـدى الدوريات التي تصدر في الانترنت بأنه كتاب “سخيف وغشاش ومحتال من الصفحة الأولى إلى آخر صفحة ” ويضيف المقال ” إن كتاب إدوارد سعيد قد أصبح مرجعيـا في الجامعات الأنجلوسكسونية “(29). فإن أي كتاب محاولة من قبل العرب والمسلمين لإصلاح هذه الصورة تواجه بصعوبات وعراقيل لا حدود لها وهذا ما أكده أحمد البرصان بقوله “وتقوم الدعاية الصهيونية بالعمل على إيقـاف الكثير من المشاريع التي يقوم بها العرب من أجل المساهمة في دراسة الحضارة العربية الإسلامية في الجامعات الأمريكية عن طريق التبرع لإقـامة أقسام في هذه الجامعات”(30) .

دراسات الشرق الأوسط(الاستشراق) و المكارثية الجديدة:
ازداد الهجوم على الاستشراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وبخاصة تلك الدراسات التي تحاول أن تقدم وجهات نظر متوازنة حول القضية الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل من ألأعمال وحشية ضد المواطنين الفلسطينيين من قتل وتشريد وهدم البيوت وبناء جدار الفصل العنصري والإصرار على قتل كبار قادة المنظمات الإسلامية. والاستشراق الذي يهاجم هو الاستشراق الذي ينادي بعدم اعتبار كل المسلمين أعداء للغرب وأعداء للحضارة والتحديث، إن أي صوت معتدل في مثل هذه القضايا يتعرض للنقد الشديد وتسفيه الرأي والمحاربة .
هذا الهجوم على الاستشراق تمثل في كتاب صدر بعد أشهر من أحداث سبتمبر وهو كتاب الباحث اليهـودي مارتن كريمر تلميذ برناد لويس رئيس معهد موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بتل أبيب والذي صب فيه جام غضبه على الدراسات الشرق أوسطية لأنها لم تستطع أن تتنبأ بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي كتابه انطلق ليهاجم عددا كبيرا من الباحثين والعلماء المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط وعلى رأسهم إدوارد سعيد مثل روجر أوين من جامعة هارفارد .
ولم يتوقف الهجوم على الاستشراق أو دراسات الشرق الأوسط عند حد كتاب كريمر بل دانيال بايبس المتخصص في دراسات الشرق الأوسط، و مؤسس مجموعـة الشـرق الأوسـط في فيلادلفيا
Middle East Forum أنشأ موقعا في الإنترنت لمتابعة دراسات الشرق الأوسط و نشر في أوساط هذه الدراسات تشجيعا لمن يقدم نقدا لأساتذة هذا الفن، فبدأت المقالات تظهر في الموقــع تنتقد الكثير من أساتذة دراسات الشرق الأوسط، وقد قدم الموقع عددا كبيرا من هذه المقالات أذكر منها مقالة ستانلي Stanley Kurtz بعنوان “القائمة السوداء لدراسات الشرق الأوسط” يمتدح فيها الجهود التي بذلها دانيال بايبس لمتابعة دراسات الشرق الأوسط ومراقبة أساتذتها لمعرفة من حيث الآراء التي تخالف السياسية الأمريكية وتنتقد الحكومة الأمريكية وتعريف الجمهور بما يحدث في هذه الدراسات وكيف تنفق أموال الحكومة الأمريكية على أقسام علمية يخالف أساتذتها السياسية الأمريكية أو ينتقدونها .
وكتب نوفيل دو أتكن ودانيال بايبس مقالة طويلة بعنوان “دراسات الشرق الأوسط مع الخطأ الذي حدث؟- نشرت في مجلة أسئلة أكاديمية شتاء 1995م، العالم الإسلامي وما الذي حدث خطأ- يتحدثان في المقالة عن العديد من القضايا في دراسات الشرق الأوسط وكأنها دفاع عن عدد من الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وعلى رأسهم برنارد لويس وفؤاد عجمي وجوديث تكر وغيرها وتوجيه النقد العنيف الحاد لإدوارد سعيد وإيفون حداد وجويل بنين وغيرهم .
وإن من أخطر ما يتعرض له مجال دراسات الشرق الأوسط أن ينادي هؤلاء المحافظين الجدد أو المدافعين بزعمهم عن الموضوعية ومصالح الولايات المتحدة بإنشاء مجلس حكومي يقره الكونجرس الأمريكي ومجلس النواب لمتابعة دراسات الشرق الأوسط في الجامعات التي تحصل على دعم الحكومة الأمريكية التي زادت مقدار دعمها لهذه الدراسات عندما اكتشفت في كل من عام 1990م وعام 2001م أنها تحتاج إلى مزيد من المتخصصين في اللغات الأجنبية وبخاصة اللغة العربية فقدمت المنح لهذه الدراسات مما يجعل طلاب اللغة العربية يتضاعفون في العديد من الجامعات وهذا المجلس المقترح إنما هو للمتابعة والملاحظة والتقويم لأداء الجامعات التي تحصل على الدعم الحكومي، ولكنه فيما لو استولى عليه المحافظون الجدد – وهو المتوقع- سيكون سيفا مسلطا على رؤوس المتخصصين وسيعيد أمريكا إلى عهد المكارثية.
لن يوفي مثل هذا البحث حق المفكر الكبير مالك بن نبي رحمه الله في تجلية موقفـه من الاستشـراق ودراسات المستشرقين ولكن مرت أربعون سنة على رحيله رحمه الله تغير فيها وجه الاستشراق كثيرا ولكن لم يتغير جوهره ونحن لم نتغير كثيرا إلا ما يمكن أن تحدثه الثورات العربية أو الربيع العربي في عقلياتنا العربيين بل مصطلح “الاستشراق” قبر ودفن في السنة التي توفي فيها مالك بن نبي وإن لم يتوقف الناس عن استعماله فها هو محرك البحث غوغل يخيرنا أن هناك حوالي 5.11.000.00 من النتائج ولو بحثنا عن دراسات الشرق الأوسط أو عبارة مستشرق لوجدنا العدد بالملايين بل إن البحث عن إدوارد سعيد باللغة الإنجليزية يظهر لنا أنه ورد ذكره في أكثر من أربعة عشر مليونا .
نادى مالك بن نبي رحمه الله باليقظة للصراع الفكري الذي يديره الغربيون وقد تذكرته رحمه الله حين ثارت ضجة عن تكليف أستاذة بالجامعة الأمريكية طلابها بقراءة كتاب “الخبز الحافي” لمحمد شكري أو ما قيل عن تدريس كتاب مكسيم رودنسون “محمد صلى الله عليه وسلم” في الجامعة فاستدعي وزير التعليم العالي المصري مدير الجامعة وتباحث معه بهذا الشأن وكأن الجامعة هي هذين الكتابيين دون النظر إلى المناهج الأخرى وإلى الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية في الجامعة.
وظهرت لعبة الصراع الفكري حين فكر منتدى أصيلة أن ينشئ مركزا للدراسات الأمريكية، فقرر الاستعانة بجامعة هارفارد لإنشاء المركز فهل من المنطقي أن تدعو أمريكا ليدلك على طريقة دراسته؟ وزاد الطين بلّة أنه الجامعة الأمريكية في القاهرة وأختها في بيروت قررتا إنشاء أقسام للدراسات الأمريكية بدعم عربي، مما يجعل الأمر لا يعدو أن يكون أمريكيون يدرسون الأمريكيين .
رحم الله مالك بن نبي لكل ما قدمه للفكر الإسلامي وبخاصة ملتقيات الفكر التي استمرت سنوات تجاوزات العشرين أو الخمس والعشرين ملتقى، فمن المناسب ونحن نحتفي بسيرة هذا المفكر الكبير أن تعود هذه الملتقيات قوية كما انطلقت وأن تسعى إلى تجديد فكر هذه الأمة وتقديم ما يمكن لإعادتها لمجدها السابق و الحمد لله رب العالمين .

الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
www.mdinacenter.com1-
mazen- mutabagani@ hotmail. Com
2- مالك بن نبي ، انتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث .( بيروت: دار الإرشاد ، 1388هـ ، 1969م)،ص6 .
3- المرجع نفسه .
4- إدوارد سعيد، خارج المكان ، ترجمة فواز طرابلسي . ( بيروت : دار الآداب ، 2000م)، ص 233
5- المرجع نفسه
6- بن نبي إنتاج المستشرقين ، ص 25
– حيدر حب الله ” الإستشراق وتاريخية التفسير القرآني “، في موقع مركز البحوث المعاصرة في بيروت www.nosos.net/main/news.php?nid=37 16-07-2009 7 –
8- رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 48
9- المرجع نفسه، ص 21
10- مالك بن نبي . الصراع الفكري في البلاد المستعمرة . ( بيروت : دار الفكر ، 1405هـ- 1985م) ، ص 33
11- المرجع نفسه .
12- المرجع نفسه
13- المرجع نفسه ، ص 34
14- محمود شاكر ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ( جدة: دار المدني ، 1407ه – 1987م)، ص 78
15- مازن مطبقاني ( المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق .( جدة: دار الريشة 1409ه – 1989م)، ص 31
16- المرجع نفسه ، ص 108
17- المرجع نفسه ، ص 141 .
18- المرجع نفسه ، ص 142
Bernard Lewis « The Question of Orientalism In New York Review of Book June 24. 1982 . pp 49-56-19
Bernard Lewis “ The Question of Orientalism” Op.Cit-20
21- المرجع نفسه وارجع أيضا إلى الدراسة القيمة لشفيق الغبرا، “معوقات البحث في العلوم الإجتماعية” في مجلة العلوم الإجتماعية ، خريف 1989م، ص 207- 234 .
22- نشرت الطبعة الأولى من الدراسة عام 1985م، ونشرت الطبعة الثانية بزيادة عدد الجماعات الإسلامية التي تمت دراستها عام 1996م، وترجمت الدراسة في طبعتها الأولى من قبل عبد الوارث سعيد، ونشرتها دار الوفاء بمصر، وعنوان الدراسة باللغة الإنجليزية هو:
” Richard Hrair Dekmijian. Islamic Revolution : Fundamentalism in The Arab World (Syracuse : Syracuse University Press, 1985. and the Second edition was published in 1996 .
وفي مراسلة مع المؤلف حول كتابه اشتكى من الترجمة ، لأن المترجم قدّم تعليقات على الترجمة لم تعجب المؤلف، وكذلك اختلف معي في كتابي ” الغرب في مواجهة الإسلام ” ، ط 2 ( المدينة المنورة : الندوة العلمية للشباب الإسلامي 1418ه – 1998م) ، تناولت فيه بعض ما جاء في كتاب دكمجيان عن الحركات الإسلامية .
23- زكاري لوكمان . تاريخ الإستشراق وسياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ترجمة شريف يونس، ط3 ( القاهرة: دتر الشروق 2008) ، ص 385- 386
24- المرجع السابق ، ص 386
25- منصف السليمي ، صناعة القرار السياسي الأمريكي ، باريس : مركز الدراسات العربي – الأوربي، 1997م.
26- إسماعيل راجي الفاروقي. “حول إنشاء كراسي أستاذية للدراسات الإسلامية في الجامعات الأمريكية “، في مجلة : المسلم المعاصر، ع 43 ، رجب – رمضان 1405ه، ( أبريل- مايو 1985م)، ص 101 – 110 ، وقد دعي بروس بنت Bruce bennet رئيس قسم الأديان بجامعة ديوك لإلقاء محاضرة في القنصلية الأمريكية بجدة حول تدريس الدين الإسلامي في الجامعات الأمريكية قبل سنوات، وزعم أن تكليف أستاذ مسلم بتدريس الإسلام في أقسام الأديان يتضمن سلبيات ، منها : أن يصبح الأستاذ واعظا وداعيا للإسلام، لكنهم يختارون أشخاصا يقدمون الإسلام بموضوعية. وعن الكتب والمنهجية فهو الذي ذكر لي هذا العذر عن أن كتب الفاروقي مثلا أعلى من مستوى الطلاب، وهذا ليس صحيحا .
27- المرجع نفسه .
28- لجنة الدراسات الشرقية المنبثقة من ندوة الشباب الإسلامي في طرابلس – ليبيا 1973، وتم تحديثه عام 1975″ . تحليل نقدي للدراسات الإسلامية في جامعات أمريكا الشمالية ” بحوث في الإستشراق الأمريكي المعاصر، مرجع سابق، ص 51- 105
National Review Online , February 25, 2002-29
30- برصان مرجع سابق .

الملتقى الدولي: مالك بن نبي و استشراف المستقبل
من شروط النهضة إلى شروط الميلاد الجديد
في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية
تلمسان 12 ـ 13 ـ 14 ديسمبر 2011 م
17 ـ 18 ـ 19 محرم 1433 هـ

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.