محورية الأخلاق في البناء الحضاري عند مالك بن نبي وفتح الله كولن

عدد القراءات :3089
صدَّر المفكِّر علي عزَّت بيجوفيتش الفصل الرابع من كتابه “الإسلام بين الشرق والغرب” بهذه العبارة الملهِمة: “يوجد ملحدون على أخلاق، ولا يوجد إلحاد أخلاقيٌّ”(1)؛ وهذا القانون يدفعنا إلى السؤال عن العلاقة بين ثلاثية (الدين/الأخلاق/الحضارة): فهل يمكن أن توجد حضارة بلا أخلاق؟ وهل يقبَل أن نتحدَّث عن أخلاق بلا دين؟ ثم هل يُستساغ عقلا وعادة وجودُ دين بلا أخلاق؟

تلكم هي إشكالية هذه المداخلة، مع تسجيل ملاحظة ضروريَّة، وهي أنَّ الغرض من الورقة ليس هو الإيغال في أصل “القيم والأخلاق”(2)، أي في “فلسفة الأخلاق”(3)؛ أو حتى في “أخلاقيات العلوم”(4)؛ وفي “نشأة الدين”(5)، ولا التوغل في “تعريفات الحضارة”(6)، على شاكلة الفلسفات النظرية المتخصصة، وبخاصة ما كان منها في حقل “الفلسفة”، و”علم النفس”، و”الأنتروبولوجيا”… وغيرها؛ وإنما المقصد هو أن نفهم، وأن نفسِّر بعد ذلك، ظاهرةً لطالما أرَّقتنا واقعيًّا وحضاريًّا؛ وهي ظاهرة “المتديِّن غير المتخلِّق”، و”المتديِّن المتخلِّف غير المتحضِّر”، ثم “الملحد الذي يدَّعي الأخلاق”، أو “غير المتديِّن المنعوت بالحضارة”؛ أي أنَّ الورقة أساسًا تعنى بالتحليل الحضاري القائم على خاصية “الحركية بين الفكر والفعل”، كما اصطلح عليه في “نموذج الرشد”(7)، لا على أساس نظريٍّ تنظيريٍّ، ليس من اختصاصنا، ولا يدخل ضمن دائرة اهتمامنا.

المسيري يستفسر:
في مقدِّمة كتاب “العالَم والغرب” لصاحبه “كافين راييلي” يسأل المسيريُّ، وهو مترجم الكتاب، سؤالا يقع في قلب الإشكالية التي طرحناها، يقول فيه: “كيف يتأتَّى لنا أن نعيش سويًّا دون أن يكون هناك قيَم عامَّة نستند إليها حين نحكم على أنفسنا وعلى الآخرين، قيمٌ يمكن الاحتكام إليها إن اختلفنا، وإن رأينا البشر يتصرَّفون مرَّة أخرى مثل القرود، قيمٌ تمكِّننا أن نسمِّي الإنسان إنسانا، والقرد قردا”.(8)
فالحديث عن القيم يفترض لزوما وجودَ مرجعية ثابتة متمكاسكة متسامية على الواقع وعلى تسارع الأحداث، غير خاضعة للأمزجة والاعتبارات، وغير متلوِّنة بالعنصريات وروح الجماعات؛ فلو افترضنا أنَّ خُلقا مثل “الصدق” مثلا، كان نسبيا متغيِّرا، مصلحيًّا بشريًّا؛ فإنَّه بالضرورة يفقد معياريته، وبالتالي تنتفي إمكانية الاحتكام إليه.
ولذا، فإنَّ الموقف “الإنساني الهيوماني(9) لا بدَّ أن يؤدِّي بالضرورة إلى ضرب من ضروب الإيمان بالله، أي إلى الاحتكام إلى الدين”، ومن ثمَّ فإنَّ أيَّ إنسانية “مادية”، متنكِّرة “للروح، والمعنى” و”للإله المتعالي المتجاوز” كما هو الحال مع “الإنسانية الماركسية أو الليبيرالية في الغرب”؛ مثل هذه الإنسانية “لا يمكن أن تتَّسق مع نفسها، ولا بدَّ أن تتحوَّل في نهاية المطاف إلى الإيمان بالله، أو إلى عدمية كاملة”(10).
فمثلا، لو عثر إنسان محتاج، في شارع عموميٍّ، على ظرف به دراهم كثيرة، مكتوب عليه اسم صاحبه وهاتفُه؛ ثم أعاده إليه، أو أودعه مصلحة الأمن للبحث عن صاحبه؛ فكيف يفسَّر هذا الموقف وهذا الفعل خارج دائرة “الدين، والواجب، والقيم، والأخلاق، والإله”؟ وهل من المصلحة أن يعيد الظرفَ، وهو في مأمن عن أي عقوبة أو متابعة؟
لا بدَّ من الإقرار إذن أنَّ الأخلاق “لا هي وظيفية، ولا هي عقلانية”(11)؛ وأنَّ العلم والعقل لا يمكنهما أن يقولا شيئا عن الأخلاق والقيم(12)، ولا عن الثابت والمشترك الإنساني(13).
هذا المدخل، وهذه الملاحظة، تساعدنا في السؤال عن مكانة الأخلاق في بناء الحضارة عند المفكِّرَين، موضوعِ الملتقى: مالك بن نبي، وفتح الله كولن؟ ثم ما هو مرجع الأخلاق عموما، وكيف يتعامل معها معرفيا وحضاريا، من ثنايا ما ألَّفا من بحوث ودراسات، وخلَّفا من مفاهيم ونظريات؟
وإذا رمنا تبسيط الإشكال قلنا: هل يمكن أن نبعث حضارة بلا أخلاق؟ وهل يمكن أن نرسي قواعد للأخلاق بغير دين؟ وهل الإنسانُ مرجع ذاته؟ وهل يوجد إنسان أو مجتمع مرجعيٌّ، منه تستنبط المعايير؟ وهل اعتبار البعض للنموذج الماديِّ الواقعيِّ الموضوعيِّ مرجعا، هو من قبيل أنسنة الأخلاق؟
للإجابة عن الإشكال، في تشكلاته المختلفة، نحثو الخطو نحو كتابات المفكريْن العالِمين: مالك بن نبي رحمه الله، وفتح الله كولن حفظه الله. مع الاعتراف ابتداء أنَّ الورقة لا تجيب عن جميع جوانب السؤال، وإنما هدفها هو مقاربة السؤال الصحيح بالجواب الصحيح، وأن تثير وتستثير البحث العميق الجادَّ، بغرض تفعيله وبمقصد البحث عن “نافعيته”(14)، فإنَّ الأمَّة اليوم – وهي في طور الحيرة والبحث عن الذات(15)– أحوج ما تكون إلى حضارة كونية إنسانية رحبة، وبالتالي فهي أحوج ما تكون إلى ركائز لهذه الحضارة: أولاها “الدين الحقُّ”، وثانيها “الخلق الصدقُ”؛ وما كان خارج ذلك فهو سفه وسفاهة، وضلال وضلالة.

المعالجة المصدرية:
بتتبع نماذج مما ألَّف كلٌّ من مالك بن نبي، وأمثلة مما ألف فتح الله كولن، مما ترجم إلى اللغة العربية؛ يمكن أن نسجِّل ملاحظة ذات مغزى، وهي أنَّ ثلاثية “الدين/الأخلاق/الحضارة” تقع في صلب اهتمامهما، مع تباين في المنهج والتحليل، يمليه البعد المعرفيُّ، ودائرة الاهتمام، والأوليات الدعوية والفكرية لكلِّ منهما؛ وكذا خاصية “الوعاء الحضاري”(16) الذي ينتميان إليه، و”النسيج الحضاري”(17) الذي يصدران منه.
فمالك بن نبي كتب فصلا عن “التوجيه الأخلاقي” في كتابيه “شروط النهضة”، و”مشكلة الثقافة”؛ ضمن العنصر الأول في معادلة الحضارة أي “الإنسان”، وتحت مسمَّى “فكرة التوجيه”(18)؛ وفي “ميلاد مجتمع” ذكر أنَّ أوَّل عمل يقوم به مجتمع ما فور ميلاده هو ربط شبكة العلاقات الاجتماعية، أي هو خُلق التآخي في حال المجتع الإسلامي؛ ثم إنَّ أوَّل ما يفقده المجتمع وهو متوجه نحو حتفه هو تداعي البناء الخلقي؛ ويمكن أن نستنتج أنَّ التوتر الخلقي قد بلغ ذروته في العهد المدنيِّ، ثم شرع في التدنِّي بعد صفين(19)؛ وبلوغ “الحالة الكاملة” للمجتمع، يعني اكتساب ذلك المجتمع “لخصائص وملكات تحت سيطرة الروح، ومتصلة بالاعتبارات ذات الطابع الميتافيزيقي” وهو ما يعبَّر عنه “بأعلى درجات التوتُّر الأخلاقي”(20).
وفيما يخصُّ العلاقة بين النزعة الأخلاقية والنزعة الجمالية في منظومة الثقافة، بيَّن ابن نبي أنه “بديهي أن تكون ثقافة أيِّ مجتمعٍ ناشئٍ ثقافة أخلاقية، وعلى عكس ذلك حالة المجتمع أوان أفوله؛ إذ نجده يُغرق في نزعة جمالية تبتعد قليلا قليلا عن أصول الجمال الحقِّ”(21) أي الجمال المنضبط بالأخلاق.
والقارئ لكتاب “وجهة العالم الإسلامي”، بخاصة الجزء الأوَّل منه؛ يسجل العديد من الفقرات، فيها يحلل المؤلف بمنهج تاريخيٍّ نقديٍّ، علاقة الدين والأخلاق بالحضارة؛ من ذلك كون الفضائل، من مثل: “احتقار مجد حان موعده، ورفض سلطة لا تقوى على حقٍّ، وتحدٍّ يجابَه به ظالم باغ”، مثل هذه الفضائل هي التي “حفظت في العالم الإسلامي سرَّ الحياة الذي أودعه فيه القرآن”. ثم صاغ ابن نبي ملاحظة ذات أهمية، فقال: “من هنا ندرك سرَّ القيمة التي خصَّ بها (عالم الاجتماع) محمد صلى الله عليه وسلم، الفضائلَ باعتبارها قوة جوهرية في تكوين الحضارات”(22).
ويستنتج ابن نبي من تتبعه لحركية التاريخ أنَّ “الدين هو مركَّب القيم الاجتماعية”(23)، وبالتالي يسميه “مركَّب الحضارة”. وعن كون “العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية أكثر ضرورة من العلوم المادية” في الظروف الراهنة للمسلمين خاصة، وللبشرية بعامة، كتب ابن نبي قراءة دقيقة عميقة(24).
أمَّا فتح الله كولن فله كتاب في أربعة أجزاء، وهو محوريٌّ في نتاجه الفكري، بعنوان “التلال الزمردية: نحو حياة القلب والروح” تُرجم منه إلى العربية جزءٌ واحد؛ وهو كلُّه في الأخلاق بمفرداتٍ وقاموسٍ “صوفيٍّ” ظاهرا؛ لكنه في الواقع طرحٌ “حضاريٌّ- عمليٌّ” مختلفٌ عن الطرح التقليدي المألوف؛ وضمن الكتاب فصل بعنوان: “الخلُّق”.(25) ومن الأخلاق التي شرح معناها، وصاغ تطبيقاتها، ضمن الفصل الأول نذكر: “الاستقامة”، و”التواضع”، و”الصبر”، و”الإحسان”…(26).
وفي “النور الخالد” فصول طويلة عن “الأخلاق” وعلاقتها بالدين والحضارة؛ لكن بمنهج تاريخيٍّ متجاوز للسرد والحدث، موغِل في الدعوة والتوجيه؛ من ذلك فصل “خصائص الأنبياء”(27)، الذي تعرَّض فيه إلى “ربَّانية” دعوتهم عليهم السلام، أي كونها مرتبطة بالسماء؛ ثم نبَّه إلى “التجرد والتوجُّه إلى الله وحده”، وهو معيارٌ لا يخطئ في الحكم على الصدق من غيره؛ ثم تناول خلق “الإخلاص”، علما أنه أفرد له عنوانا خاصا في “التلال الزمردية”، ومما قاله في هذا الشأن: “إن كان العمل جسدا فروحه الإخلاص، وإن كان العمل جناحا فجناحه الآخر هو الإخلاص. فلا جسد بلا روح، ولا يوصَل إلى مكان بجناح واحد”(28). ثم في “باب: صفات الأنبياء ومكانتها من سيد الأصفياء” بسط فصلا عن “الصدق”؛ مبيِّنا أنَّ خلق “الصدق هو محور النبوة، ومدار ارتكازها”(29)، وفصلا آخر عن “الأمانة” ربط فيه بين الإيمان والأمانة، وذهب إلى أنهما لا ينفصمان(30).
ولعلَّ ما يميز العرض الدعوي للأخلاق في “النور الخالد” عن غيره هو ذلكم الفصل الخاص بخلق “الفطنة”، والذي يُعتبر روحَ الكتاب ولبَّه؛ وفيه عرَّف الفطنة أنها “تجاوز العقل بالعقل” وهي “منطق النبوة” وخصائص هذا المنطق “النظر إلى الأشياء والحوادث من خلال منظار قد جمع بين الروح والقلب والحس وسائر اللطائف الإنسانية” أجل “إنَّ الفطنة ليست عقلا ومنطقا فحسب، بل إضافة الإسلام إلى العقل والمنطق…”(31).
وعند تحليل “باقة من أحاديث المصطفى عليه السلام” عاد فتح الله مرة أخرى إلى “الصدق” لأهميته، ثم نوه بجملة من الأخلاق الأخرى في بيان النبوة علما وعملا(32) منها “تواضعه”، و”كرمه”، و”بساطته” وملخص القول أنه صلى الله عليه وسلم هو الذروة في كلِّ شيء، وهو الذروة في الأخلاق والخلال الحميدة.
بما أنَّ الأخلاق لا تكتسب إلاَّ بالتربية، وبما أنَّ رسالة فتح الله التي صبغ بها حياته هي التربية، وبما أنَّ النور الخالد إنما ألِّف لعرض الخدمة على معايير النبوة والخلافة الراشدة، لا بغرض التعليم المنهجي التقليدي، أو الدرس الوعظي الكلاسيكي… اعتبارا لكلِّ ذلك عقد فتح الله جزءً كاملا للتربية عنونه بـ” النبي صلى الله عليه وسلم مربيا”؛ مشيرا إلى أنَّ “أفضل ممثل لصفة الربِّ، لله تعالى، هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي هو أفضل من يمثل هذا الاسم من الأسماء الحسنى”(33).
والحقُّ أنَّ عرض مادة الأخلاق، من مداخلها وتصرفاتها المختلفة، من خلال النور الخالد، يمكن أن يشغل بحثا كاملا، وهو ما لسنا بصدده؛ مؤكدين على ضرورته في سياقات أخرى، لعل القدر يجود بها.
ويأتي كتاب “ونحن نقيم صرح الروح” من العنوان إلى آخر سطر فيه، لوحة فنية، بديعة الألوان، مشكَّلة بعناية، في معالجة ثلاثية “الدين/الأخلاق/الحضارة”، في مقالات عديدة، منها: “دنيا في رحم الولادة”، و”نحو عالمنا”، والشعور بالمسؤولية” وغيرها مما يحسن العودة إليه مباشرة، لاستكشاف الخلفية الإيمانية والخلقية للحضارة، كلُّ ذلك استبشارا واستعدادا “للانبعاث بعد الموت”، قصد قدح “الشرارات الأولى لفكر نهضة كبرى، هي أشمل وأوسع نهضة تهفو إليها الأعناق منذ قرون”(34).
أمَّا كتاب “ونحن نبني حضارتنا” فهو امتداد وتتمة لـ”ونحن نقيم صرح الروح”؛ وفيه تبدو العلاقة الوطيدة واللحمة الكثيفة بين المفكرين مالك بن نبي وفتح الله كولن؛ وأجزم أنه لا يوجد كتابان متقاربان شكلا ومعنى، بين الأستاذين، أكثر من “شروط النهضة” في مقابل “ونحن نبني حضارتنا”؛ بل إنَّ الأستاذ فتح الله اعتمد شروط النهضة من بين مصادره، وتبنى جملة من منطلقاته ومفاهيمه، ثم أضاف إليها الكثير، وعلى رأس تلك المفاهيم “القابلية للاستعمار”، وهو مفهوم ذو بعد خلقيٍّ باعتبار(35).

منحة من السماء إلى الأرض:
يقول مالك بن نبي عن كون الأخلاق وروح الأخلاق تعود إلى “الإله” وإلى “الدين” بالتبع: “هذه الروح الخلقية منحة من السماء إلى الأرض، تأتيها مع نزول الأديان، عندما تولد الحضارات، ومهمتها في المجتمع ربط الأفراد بعضهم ببعض، كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: “وألَّف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم”(36).
وفي سياق مغاير، يربط ابن نبي بين الدين والسلوك بقوله: “العنصر الديني عامَّة، فضلا عن أنه يغذي الجذور النفسية العامة، يتدخل مباشرة في الشخصية التي تكوِّن (الأنا) الواعية في الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذه (الأنا)”(37).
وفي مقال “الوعي الجمعي” يردُّ فتح الله كولن السبب إلى “الثقافة الدينية” التي هي سبب في إرساء مكارم الأخلاق، ويقول: “إنَّ الوعي الجمعي يحمل في أعماقه أسباب وجودنا وأسرار بقائنا أمَّة، إذ يستقي مادَّة حياته من منبع ثقافتنا الدينية وهويتنا الذاتية، وبفضله تتناغم مكارم الأخلاق مع الحياة الاجتماعية”.
وفي سياق مماثل، وصف فتح الله النجاحات التي حققها المسلمون الرواد عبر التاريخ، في المستوى الحضاري، وفي المستوى الأخلاقي، وفي جميع المستويات الأخرى؛ واعتبر الدين هو شعلة هذه الثمرات التي قد تبدو أحيانا فوق الخيال، وقال: “قد تبدو لنا – النجاحات – وكأنها تحدث في عالم من الخوارق بدفع من قوى غامضة خفية؛ بينما يمكن إرجاعها جميعًا إلى مرجعية أساسية حيوية، ألا وهي هويتنا الذاتية وشخصيتنا الثقافية المعنوية التي نهلت من روح الدين وتغذّت بجوهره وتشبّعت بحقائقه الخالدة. وإنه لمن الحقائق الكبرى التي لا تقبل الشك والمراء، أنَّ أبناء أمتنا النجباء، بفضل هويتنا الذاتية هذه، قد اجتمع شملهم والتأم شتاتهم حول فكرة واحدة وعاطفة واحدة مرات عديدة طوال التاريخ؛ فانتظمت صفوفهم على غايات متبادلة وأحلام مشتركة، وخفقت قلوبهم بنفس المشاعر والآمال، ودافعوا جنبًا إلى جنب عن القيم السامية ذاتها، وكافحوا صفًّا واحدًا من أجل المبادئ العالية نفسها، واستبقوا فيما بينهم دون توقف أو فتور لتحقيق الرؤى المنشودة عينها والمقاصد السامية نفسها”(38).
لكنَّ هذا العطاء السماوي، لا يجوز أن يبتر، أو يجزأ، فالإسلام “كلٌّ يستحيل تجزيئه”(39)؛ يقول فتح الله: “الإسلام “كلٌّ” يستحيل تَجَزُّؤه، ويستحيل أن يُحمَّل جزؤه القِيَمَ المحمّلةَ على الكل. فإنَّ تجزئته إلى أجزاء، ثم محاولةَ استنباطِ فهمٍ كاملٍ وتام من الأجزاء غلطٌ وخطل وإهانة لروحه. وسوف يبقى من يريد أن يفهمه أو يحصره في تفسيرِ آياتٍ وأحاديث معدودة بأسلوب وعظيٍّ، مهزوزَ الوجدان بأحاسيسِ نقص حقيقي، ومُعانِياً من خواء روحي دائم؛ مهما كدَّ وسعَى لسماع مجموعة الأنغام الرائعة هذه.
الإسلام إيمان، وعبادة، وأخلاق، ونظام يرفع القيم الإنسانية إلى الأعلى، وفكر، وعلم، وفن. وهو يتناول الحياة كلاًّ متكاملاً، فيفسرها، ويقوّمها بقيمه، ويقدِّم لمنتسبيه مائدةً سماوية من غير نقص”(40).
وقد سجلت جيل كارول ملاحظة عن فتح الله كولن في العلاقة بين القيم والإله، ومما قالت: “هنا أيضًا نجد أن كولن ينسب القيمة الإنسانية إلى الله، فالإنسانية أو الوجود الإنساني هبة لا يجوز التعدي عليها أو انتهاكها، ومن ثم فهي الأساس في كل ما أمر به الله -كحماية الناس والحفاظ على حياتهم- وكل ما نهى عنه -كإيذاء الناس أو سرقة مالهم”(41).
ولو تعمَّقت كارول أكثر في حقيقة علاقة القيم بالإله، لما انقطع بها النفس في هذه الملاحظة الأوَّلية؛ ولاكتشفت، أنَّ مركز القيَم والأخلاق، ونقطة العطالة، في منظومة الأخلاق عند الأستاذ فتح الله هي “أسماء الله الحسنى”؛ فكلُّ خلق حسنٍ، وكلُّ قيمة مُثلى، هي ولا بدَّ تمثُّلٌ لاسم – أو أكثر – من أسماء الله الحسنى، بوجه من الوجوه، وباعتبار من الاعتبارات؛ وذلك بموجب “تخلَّقوا بأخلاق الله”.

المقصد العملي:
في مستهلِّ فصل “التوجيه الخلقي” يقول مالك بن نبي: “لسنا هنا نهتمُّ بالأخلاق من الزاوية الفلسفية، ولكن من الناحية الاجتماعية؛ وليس المقصود هنا تشريح مبادئ خلقية، بل أن نحدِّد قوَّة التماسك اللازمة للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية”(42) أي مجتمع طور “الميلاد” من جديد؛ ومن ثم فالمعالجة ليست لغرض نظري تنظيري، بقدر ما هي لأهداف حضارية عملية مسؤولة.
وفي تحليل مفهوم الثقافة ضمن سياق “ميلاد مجتمع” يذكر ابن نبي “أنَّ الثقافة تحتوي بصفة عامة عددا من الفصول هي: الأخلاق، والجمال، والمنطق العملي، والصناعة الفنية. ولكن الأمر يقتضينا أن نتساءل: كيف ينبغي أن ندركها في صورة برنامج تربوي يصلح لتغيير الإنسان الذي لم يتحضر بعد، في ظروف نفسية زمنية معيَّنة، أو لإبقاء الإنسان المتحضر في مستوى وظيفته الاجتماعية، وفي مستوى أهدافه الإنسانية”(43). والحديث هنا عن الفاعلية والتفعيل، لا عن النظرية والتنظير.
ولعلَّ الحركية المقرونة بالفكر دائما، لا تنظيرا فقط، ولكن تطبيقا وتجسيدا في أرض الواقع، هي السمة الأساس عند الأستاذ فتح الله كولن، وفي مشروع الخدمة ككل؛ فليس المقصد عند الأستاذ، وهو يعالج الدين، أو الأخلاق، أو الحضارة، من مداخل متنوعة، أن يضيف نظرية جديدة، ولا أن يبني صرحا معرفيا تليدا؛ وإنما المقصد هو الفعل المباشر المرضي لله تعالى؛ ويكفي دليلا على هذا الحكم، ما انتهى إليه “مؤتمر القاهرة” من نتائج أبرزها، كما ورد في توصيات المؤتمر: “أهم ما أثار النقاشات فيما بين الحضور كان البعد الحركي والمؤسسي لتجربة كولن؛ فمع تعدد نظريات الإصلاح الإسلامية وتشابهها، إلاَّ أنها ظلت في بعض الحالات دون تفعيل؛ أو أنها آلت إلى الفشل في بعض الحالات الأخرى، من هنا كان نجاح الشيخ كولن في الربط بين الفكر والحركة مثارا لإعجاب الجميع. وترددت بكثرة كلمات مثل: التفعيل، والفعالية، والحركية الفكرية. وهي تدل في مجملها وبوضوح على عطش عربي للفعالية والحركة”(44).
ولقد أكَّد هذا التوجه الحركي والمنطقي فتح الله نفسه، وهو يرسم خطَّ السير للخدمة، فقال: “نحن نلخص خط كفاحنا كورثـة الأرض بكلمتي الحركية والفكر. وإن وجودنا الحقيقي لا يتم إلا عبر الحركية والفكر… حركية وفكر قادران على تغيير الذات والآخرين. والواقع أن كل كيان ثمرة حركة ومجموعة من المبادئ والتصورات، كما أن بقاءه مرتبط باستمرار هذه الحركة وتلك التصورات.
وإن أهم شيء وأشـده ضرورة في حياتنا هو الحركية. فمن الضروري أن نتحرك على الدوام في ظروف قاهرة، نضع أنفسنا تحت ثقلها بأنفسنا، لنحمل فوق ظهورنا واجبات ونفتح صدورنا أمام معضلات… الحركية المستمرة والفكر المستمر، ومهما ضحينا في هذا السبيل. فإن لم نتحرك وفقا لهويتنا الذاتية الأصيلة، فسندخل في تأثير الدوامات الفكرية والبرنامجية لأمواج هجمات الآخرين وأعمالهم الحركية، ونضطر إلى تمثل فصول حركاتهم”(45).

الخُلق خميرة الفكر:
لطالما تساءلنا، وتساءل المفكرون والعلماء من قبلنا: كيف يتحول الفكر إلى فعل؟ ما هو السبب أو ما هو السر؟ وكثيرا ما طرح الزوار لمشاريع “الخدمة” هذا السؤال المحوري: لماذا أفكارنا لا تتحول إلى واقع وسلوك وبناء حضاري، وأفكار الأستاذ فتح الله تشكلت بهذا القدر واقعا حضاريا عالميا؟
الجواب الوحيد، هو في منظومة الأخلاق والفضائل التي يتسم بها المنتسبون إلى الخدمة؛ وإن كنت أقرُّ أنَّ هذا الجواب قد يدخلنا في دورة الدجاجة والبيضة، أيهما أسبق؟ فهل هذه الأخلاق ثمرة لهذه الخدمة، أم هي بذرة لها. علما أنَّ الظاهرة الاجتماعية الإنسانية المعقَّدة مركَّبة، لا تقبل الاختزال، فهي بالتالي ثمرة باعتبار، وبذرة باعتبار آخر.
فالصبر، ومحاربة الأنا، والإيثار، والتآخي، والصدق، والوفاء… وغيرها من الأخلاق والمحامد، هي التي تمكِّن أيَّ فكرة، ومخطَّط، ومشروع، ورؤيا، ورسالة… من التمثُّل الشفَّاف على خطِّ الزمن؛ والنفسُ حين تتكدر، وتتعفَّن، ويسيطر عليها الأنا، والهواجس، والدناءات، تكون “كابحا” و”حاجزا” و”سدًّا منيعا” أمام الفكر، تشوش على صفائه، وتلقي ظلالها عليه، فيخمد ويخبو، ثم يتسمم، فتجد “العبارة الجميلة” و”المعنى الجميل” و”الفكر الأصيل” في بيئة من الخلق الفاسد تتحول إلى “شعارات فارغة”، و”ادعاء ميِّت أو مميت”.
ولا بدَّ أن نقرَّ أنَّ ما عاناه مالك بن نبي، وعبَّر عنه في جملة من مؤلفاته، وبخاصة في مذكراته “العفن”، ومقدمة الجزء الثاني من “وجهة العالم الإسلامي”، وفي ثنايا الجزء الأول منه؛ كلُّ ذلك يمكّننا من الاعتراف أنَّ البيئة الخلقية الخصبة لم تتوفَّر لفكر ابن نبي، وبالتالي لم يتجسد مشروعه مباشرة – على الأقل – في دوائره المنداحة، سواء في ذلك التي انتسب إليها، أو التي سافر إليها؛ وذلك لعوامل كثيرة، وبخاصة منها ما كان من النفس، ومن الذات، وهو ما حدا به إلى أن يطور نظرية القابلية للاستعمار، وكان صريحا وواضحا في نقد “أخلاق” و”نفسية” مجتمعه، ومجتمع المسلمين عموما؛ وهو أمر لا نكاد نجده في فكر فتح الله؛ فهو وإن كان ينقد “نفسية العالم الإسلامي” عموما، إلاَّ أنه يستبشر خيرا برجال وبمجتمع وبوعاء حضاري تلقف مشروعه، وطار به إلى الآفاق: هجرة، وعشقا، ووفاء، وأملا.
ولا شكَّ أنَّ هذا المستوى الخلقي المتميز، هو كذلك من ثمرات فكر فتح الله اليانعة، وهو من توفيق الله له، وهو فضل منه ومنَّة.
يقول فتح الله كولن:
“*عندما تصاب الروح بالفتور، وتنخفض درجة حرارة القلب، ويخبو أوارُ الفكر، فأنت متوعك روحيًّا… فعليك أن تصمت، لأن الصمت هنا أبلغ من كل كلام ميّت تقوله. *وإنْ لم تطرح نفسك التي تضايقك وتعذبك بعيدًا خارج نفسك، فكيف يطهر كلامك ويتقدس فعلك؟! *وإنْ لم ترتّب بيتَ نفسك أولاً، فكيف تستطيع أن ترتب بيوت نفوس الآخرين؟! وإنْ لم تكن نفسك جميلةً، فكيف تستطيع أن تجمّل نفوس الآخرين؟!”(46).

علم الكلام والأخلاق:
في تقييم مسيرة “الحركة الإصلاحية” في العالم الإسلامي، وبخاصَّة عند مرحلة النشأة؛ ينقد مالك بن نبي “العقلية الأصولية” التي دفعت الإمام محمد عبده، مثلما دفعت محمد إقبال بعد ذلك، إلى الظنِّ أنه “من الضروريِّ إصلاح علم الكلام بوضع فلسفة جديدة، حتى يمكن تغيير النفس”(47).
ولقد كان النقد لاذعا، ولعلَّ ابن نبي بالغ فيه، فنفى كلَّ ثمرة عملية لهذا العلم؛ والحقُّ أننا قد نوافقه في كثير من جوانب النقص والضعف، وبخاصَّة ما كان منها متعلقا بالبرامج والمناهج الدراسية؛ لكننا لا نسايره في جميع ما ذهب إليه؛ ولعلَّ فتح الله كولن، رغم نزعته الحضارية العملية، كان أكثر إنصافا، وقد أدرك موطن الخلل وتجاوزه دون احتكاك، اتساقا مع منهجه الدعويِّ السلميِّ عموما؛ وفي ذلك يقول: “وقد حرص قسمٌ من المفكِّرين والعلماء على البقاء في إطار الكتاب والسنة ولم يسوقوا رأيا منهم في هذه المسائل، في حين أنَّ البعض الآخر لم ير بأساً في مد البيان بالبرهان وإثرائه بالعرفان، وتوسيعِه بالمحصلات الصوفية والفلسفية، بل رأوا أن الاشتغال بها على هذا الوجه خدمة للدين. صحيح أن التوسع على هذا النحو قد أَدخل إلى النظام الفكري الإسلامي أفكارا ضالَّة من رواسب الميراث القديم، لكن الواقع أيضاً أنه فَتَحَ أمام المسلمين آفاقاً عظيمة وواسعة.
ولسنا بصدد الجدال حول فوائدِ علم الكلام أو أضراره، بل غاية ما نريده هنا هو الاكتفاء بالتذكير بأنه مصدر رحب ومعطاء في ميراث ثقافتنا. ولا نريد أن نخوض في أمور تفتح الباب لنقاشات جديدة”(48).
والحقُّ أنَّ أهمَّ نقد وأصدقه يتوجَّه إلى علم الكلام إنما يكون حين ينفصم عن الواقع، ويصير درسا تراثيا باردا، ولا يسهم في تغيير النفس بشيء؛ وفي هذا يقول ابن نبي نفسه: “والمسلم حتى مسلم ما بعد الموحدين، لم يتخلَّ مطلقا عن عقيدته، فلقد ظلَّ مؤمنا، وبعبارة أدق ظلَّ مؤمنا متديِّنا، ولكنَّ عقيدته تجرَّدت من فاعليتها… وعليه فليست المشكلة أن نعلِّم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهمُّ أن نردَّ إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية، وتأثيرها الاجتماعي، وفي كلمة واحدة: إنَّ مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم على وجود الله، بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده، ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا للطاقة”(49).
ويربط فتح الله بين العقيدة والأخلاق، ومن ثم بين العقيدة والحضارة، دون أن يعود باللوم إلى علم الكلام، فيقول: “ونحن نؤمن بأنا إذا تَفَهَّمنا الحركيةَ التي أوجدتها -أو توجدها- العقيدةُ الإسلامية في القلوب المؤمنة، فسنفهم الأسباب والدوافع الحقيقيةَ للهبوط والصعود أو السقوط والارتقاء على مستوى الفرد أو المجتمع، بل وسندرك -من جديد- الأسسَ المهمة التي نجمع بها شملنا ونرجع بها إلى وعينا ونلحق بالقافلة التي تأخَّرنا عنها”(50).

الصفة والموصوف:
أضع هذه الصورة الذهنية سندا للإشكال الذي طرح في هذه الورقة:
تصوَّر لو أنَّك خيِّرت بين نمطين اثنين من الناس، أفرادا أو جماعات:
*النمط الأول: موافق لك دينا، و/أو مذهبا، و/أو وطنا، بل وحتى حركة وانتماء دينيا أو سياسيا؛ ولكنه سيء الخلق، غير صدوق نسبيا، ذاته ذات مهيمنة، وكلامه كلامٌ بذيء خبيث غيرُ طيِّب، وسلوكه غير سويٍّ.
*النمط الثاني: مخالف لك، دينا، و/أو مذهبا، و/أو وطنا، و/أو حركة وانتماء؛ غير أنه دمثُ الخلق، متنكِّر لذاته وأنانيته، كلامه طيب، وسلوكه سويٌّ.
السؤال هو: من ستختار في منعرجاتك الحياتية، مثل: الشراكة، أو المصاهرة، أو التحزب، أو حتى عند الميول القلبي والعاطفي، وعند الحكم القيمي؟
لا شكَّ أنَّ المرء سيرتبك، وقد يفترض أنَّ “الخلق الحسن” ملازم “للانتماء” الذي اختاره؛ وقد يكون استبطن هذا الفهم، دون أن يصدح به أو حتى يفكِّر فيه جديا؛ ولكنَّ أحداثا يومية تعتري الإنسان، وتصرُّفات تصدر من الموافق غير متوقعة ولا محسوبة، تجعل الواحد منا يعيد حساباته، ويحاول معالجة القضية بعمق أكبر، وبصراحة أكثر.
هنا يجيب الأستاذ فتح الله في “الوصف الرابع لورثة الأرض”، بقوله:
“إنَّ قيمة الإنسان الحقيقية وثيقة الصلة بعمق عواطفه ورقيّ فكره وتكامل شخصيته. وإن لهذه الأوصاف دورا كبيرا في تعيين مكانة الإنسان لدى الحق تعالى والخلق أجمعين. فإن الخصال الإنسانية السامية وعمق المشاعر والفكر وسلامة الشخصية بطاقةُ اعتماد مطلوبة دائمًا وفي كل مكان. ومن يكدّر إيمانه وإذعانه بأوصاف وأفكار كفرية، ويُثير القلَق والشبهة في محيطه بشخصيته، لن يكون مظهرًا لتجلي تأييد الحق تعالى وعنايته. وكذلك لا يمكن أن يحافظ على احترام الناس له وثقتهم به. فإن الحق تعالى، والناس، يقيّمون الإنسان بخصاله الإنسانية وشخصيته الرفيعة ويكافئونه على ذلك. وبناء عليه، لا يتصور أن يتحقق نجاح عظيم أو الحفاظ على نجاح قد تحقق، على يد أناس فقراء في قيمهم الإنسانية وضعفاء في شخصياتهم، وإن ظهر عليهم مظاهر المؤمنين الصالحين. كما لا يُتصوَّر أن يفشل فشلا ذريعًا أناسٌ يتقدَّمون خطوات في سلامة شخصياتهم وخصالهم الإنسانية السامية وإن لم يظهر عليهم مظاهر المسلمين الصالحين. فإنَّ تقدير الله تعالى ومكافأته تنظر إلى الخصال والصفات، وكذلك حُسن قبول البشر يقوم عليها بدرجة ما”(51).
إذن بالفصل بين الصفة والموصوف، بين الشخص والسلوك الذي يتسم به، فصلا نسبيا، يمكن أن نقرر أنَّ “تقدير” الله سبحانه، و”احترام الناس” لا يتعلقان بالموصوف لكن بالصفة، ولا يختصران على “الأسماء” دون “جوهر المسميات ودلالتها”، فنحن نحبُّ الصدق من أيِّ طرف يصدر، ونمقت الكذب من أيِّ جهة يرد؛ وهذا معنى من معاني قولهم: “الحقُّ قديم”(52)، أي لا تغيره الاعتبارات، ولا الانتماءات، ولا الأزمنة ولا الأمكنة.

حضارتنا: بين الإشراق والأفول:
لو تتبعنا سلسلة الأسباب، سائلين عن “نقطة الانطلاق”، وعن “محور البدء” في النهوض بالأمَّة من وهدتها، والإسراع بها نحو غدٍ مشرق، تكون فيه الكلمة للإسلام بكلِّ معانيه، غير مختزَل ولا مبتسَر ولا موهوم؛ تماما مثلما كانت فيه الكلمة للمسلمين الأُوَّل في مدرسة المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ لو سألنا هذا السؤال الحضاريَّ على كلٍّ من فتح الله كولن، ومالك بن نبي؛ لكان الجواب واحدا، لا اختلاف فيه: “إنَّه تغيير ما بالأنفس”، أو العودة إلى “الذات” إسلاما وإيمانا، خلُقا وإحسانا.
يقول فتح الله في مقال “وارثو الأرض”: “إنَّ الأمم والشعوب التي تتعرَّض إلى التبدُّل داخليًّا في حياتها المعنوية، مصيرها إلى الخذلان غداً، مهما كانت ظاهرةً اليوم. هو ذا التاريخ -وما أشبهه بمقبرة للأمم المنقرضة- يصرخ عاليا بصوت الحقيقة: “إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”(الرعد: 11). التآكل الروحي والمعنوي في عالم الداخل الذاتيِّ للمجتمع، يوصل إلى انقطاع الأنعم الإلهية عنه. هذه الآيـة الكريمة تذكّرنا بقاعدة مهمَّة في الظهور والخذلان، أو العز والذل، وتحدد هذا الفراغ الهائل في مسلمي العصر الحاضر”(53).
وفي فصل “القضاء والقدر من حيث الكتابة” من كتاب “القدر” يؤكد فتح الله على هذه القاعدة الأساسية، ويسميها “قانونا”، فيقول: “لله سبحانه قانون وهو “إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”. فالله سبحانه لا يذلُّ أمة عزيزة كانت تاجاً على الرؤوس إلاَّ إذا غيّرت الأمة ما في داخلها (أي إيمانها وأخلاقها وقيمها). فهذا القانون سارٍ في المعنى الإيجابيِّ والسلبيِّ على السواء. لذا ينبغي الحفاظُ على النفس، والتعمُّق فيها، والسعي لإدراكها. فمن كان يريد إحراز لقب الفاتح فليفتح قلعة النفس أولاً، ومن استعصى عليه فتح الداخل لا يمكن أن يفتح شيئاً في الخارج”(54).
ومع أنَّ حاضر المسلمين لا يدعو إلى الطمأنينة، ويئنُّ تحت وطأة التخلُّف والتمزُّق الداخليِّ والخارجيِّ؛ إلاَّ أنَّ الأمل قائم، بل هو واجب، وكلُّ محاولة لقتل هذا الأمل هي محاولة مغرضة ظالمة؛ ذلك أنَّ الله تعالى “وعد بإرث الأرض للصالحين من عباده… وهم ممثلو الروح المحمدية والأخلاق القرآنية”(55)؛ بل إنَّ هذا الأمر من صميم إيمان المرء “فلا ينبغي أن يتردَّد امرؤ في توقع مجيء هذا اليوم، وهو وعد الله المؤكَّد”(56)، وهو القائل سبحانه: “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرض يرثها عبادي الصالحون” (الأنبياء: 105).
وماذا عن تحكُّم غير المؤمنين، وغير المتخلقين، في الكون، وفي مصير المسلمين اليوم؟
يجيب فتح الله أنَّ “غياب الممثِّلين الحقيقيين” يجعل من هو أفضل منهم نسبيا في المقدِّمة، إلى أن يعود هؤلاء إلى الواجهة مرَّة أخرى؛ ويقول: “الدنيا تدور، وتدور. وكلَّما دارت، تنسحب إلى فَلَكها الأصل. فهل وارثو الأرض الحقيقيون جاهزون لاسترداد ميراثهم الذي أضاعوه، فخطفه غيرُهم قبل مدة؟ إن الحق الأول شيء، والحق المستلم بالتمثيل شيء آخر. فالحق إن لم يُمَثّل حسب مقاييس قيَمه الذاتية، يمكن أن يُسترد في كل وقت، وإن مُنح ابتداءً لأمة معينة وَجَمْعٍ معين… فيُستَرد منهم، ويُسَلَّم إلى من يكونون الأسبق والأفضل نسبياً في الأخير، إلى أن ينشأ الممثلون الحقيقيون”(57).
ولا شكَّ أنَّ الممثلين الحقيقيين هم الذين يجمعون بين الإيمان ومقتضيات الإيمان؛ وعلى رأسها وفي مقدمتها الأخلاق الفاضلة، والخلال الحسنة. ومن اتسم بهذه جاز أن نعتبره من “مهندسي الروح الربانيين…”؛ إلا أنَّه لقتامة الواقع، ولغموض العصر “قد يمط بعضهم شفتيه استخفافًا إذا ما ذُكِرتْ القيم الأخلاقية والأعماق الداخلية للإنسان وأهمية الحياة القلبية والروحية؛ لكن ما من شك في أنَّ السبيل الواصلة إلى الإنسانية الحقيقية تمر عبر هذه القيم والحركيات السامية. ومهما كانت ظنون وتصوُّرات البعض منا، فإنه ليس اليوم أمام إنساننا المعاصر الذي انقصم ظهره تحت ثقل أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مختلفة، وناء بحمل حدبات عديدة في آن واحد، إلاّ طريق واحد ينقذه من الكروب والملمات المتوالية؛ وهو تفعيل هذه الحركيات في كافة أنحاء الحياة. وإنّ تنفيذ هذه المهمة الحيوية لا يمكن أن يتم إلاّ على أيدي ربانيين لا يهتمُّون بأنفسهم أبدا، ولئن اهتموا فلأنهم يؤمنون بأن خلاصهم هو في إنقاذ الآخرين”(58).
ولا بدَّ من التذكير أنَّ بديع الزمان النورسي أعلن ثلاثيته الحضارية: “أعداؤنا ثلاثة: الجهل، والفقر، والفرقة”(59)؛ ثم تبنتها الخدمة فكرا وفعلا؛ إلاَّ أنَّ فتح الله أضاف إليها عنصرا رابعا، رغم أنه قد ينطوي تحت أحدها، لكن لأهميته أبرزه الأستاذ، وعمل على محاربته، يقول فتح الله: “كان الجهل والفقر والتفرق والتعصُّب وما يشبه ذلك، هم أعداؤنا في زمن ماضٍ. واليوم زِيد عليهم الخداع والتسلط والسفاهة والخلاعة واللامبالاة وضياع الهوية”؛ وغني عن البيان أنَّ هذا العدوَّ الجديد القديم، المتشكل في أشكال متوارية ملتوية، هو “سوء الخلق” في عنوانه الكبير، وفساد الدين في عنوانه الأكبر.
ولمالك ابن نبي كتاب بعنوان: “من أجل التغيير”؛ ويمكن أن يلقب بلا منازع “مفكر التغيير”، فمشروعه قائم على أساس “الحركية والحركة” الدائمة، وعلى التغيير المتواصل، مع ضوابط وشروط حددها مسبقا؛ وهو يستند في جميع مؤلفاته إلى قوله تعالى: “”إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”. وهو متفق تمام الاتفاق مع فتح الله كولن، أنَّ كلَّ تغيير من الخارج ما هو إلا ذر للرماد على الأعين، وما هو إلا جعجعة بلا طحين؛ ولعل هذا أكبر نقد وأكثره حدة وجهه ابن نبي لـ “جمعية العلماء المسلمين” يوم انساقت وراء بريق السياسة، منحرفة عن مهمَّتها الكبرى، سنة 1936م. وسمى هذا الانحراف عن مسار التربية “عودة إلى الأفكار الوثنية”(60).
وفي تعريف التغيير المرتبط أساسا بالنفس والقلب، يقول مالك ابن نبي: “وتغيير النفس معناه إقدارها على أن تتجاوز الوضع المألوف، وليس هذا من شأن علم الكلام، بل هو من شأن منهاج التصوف، أو بعبارة أدق، هو من شأن علم لم يوضع له اسم بعد، ويمكن أن نسميه “تجديد الصلة بالله” ثم يضيف: “يهدف الإصلاح إلى توفير الدافع الداخلي لدى جماهير الشعب، تلك الجماهير المتعطشة إلى انتفاضة القلب، كيما تتنصر على ما أصابها من خمود”(61).
وعن نقطة الانطلاق الأخلاقية التي يجب أن تولد في قلب كل مسلم، وأن تنتشر في أرجاء العالم الإسلامي أجمع؛ يصوغ ابن نبي عنوانا مثيرا، وهو: “بواكير العالم الإسلامي”، ثم يصدره بآية عظيمة، هي قوله تعالى: “ليس بأمانيِّكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب”، ويعيِّن للمسلمين في مخططهم مهمتين: الأولى أخلاقية نفسية، والثانية دعوية حضارية؛ وهو بهذا يجيب على سؤال جوهري في إشكال هذه الورقة الموجزة، ويقول:
“ليس العالم الإسلامي طائفة من الخلْق منعزلة عمَّا سواها، فهي قادرة على أن تكمل تطورها داخل وعاء مغلق، بل إنه يمثل في رواية الإنسانية دورين يقوم بهما في وقت واحد، دوره ممثلاً، ودوره شاهداً، هذا الاشتراك المزدوج يفرض عليه واجب التوفيق بين حياته المادية والروحية وبين مصائر الإنسانية. فهو لكي يقوم بدور مؤثر فعّال في حركة التطور العالمي ينبغي أن يعرف العالم، وأن يعرف نفسه، وأن يعرّف الآخرين بنفسه، فيشرع في تقويم قيمه الذاتية إلى جانب تقويمه لما تملكه البشرية من قيم”(62).

*الخلُق النادر المثال (من واقع الخدمة معرفيًّا):
عالجت في كتاب “أرباب المستوى” علاقة الأخلاق بإنتاج العلم والمعرفة، من خلال مؤسسة “أكاديميا” التابعة لمنظومة الخدمة، وبما أنَّ هذه المعالجة تقع في صلب إشكالية هذه الورقة، وبخاصة من الناحية العملية الواقعية التمثلية؛ كان من المناسب إيرادها؛ وقد جاء فيها ما يلي:
يأتي في المقام الثاني، بعد التوحيد والإيمان، في أسباب إدارة الجماعات العلمية، ما يُعرف بالخلق أو الأخلاق، بما في ذلك “الأخلاق المدنية”؛ لكن شريطة أن تكون ظلاًّ “للأخلاق الكلية”، وأن يكونا كلاهما تمثلا “للغاية” وإنزالا لها على أرض الواقع، بمبدأ “تمثُّل أسماء الله الحسنى وصفاته العليا”، وبمؤدى: “تخلَّقوا بأخلاق الله”.
كلُّ من يدخل “الأكاديميا”، ضيفًا كان أم باحثا، أم موظَّفا، يجد نفسه مع حواريين نفَوا ذواتهم، ودفنوا أنانياتهم، فهم بمدلول “الخدمة”، يخدمون وهم مبتسمون، لا تغادرُ الكلمة الطيبة لحظةً شفاههم، فيستحيل أن تصادف أحدَهم غاضبا أو ناقما أو عبوسا؛ وهم إنما يأتون ما يأتون لا لمصلحةٍ، ولا بمقتضى الوظيف ومستلزمات فنِّ الإدارة، أو سلْفاً لأحدٍ حتى يعيده بعد حين، أو تكلُّفا، والله لا يحب المتكلِّفين؛ وإنما هذه الخلال سجيَّةٌ فيهم؛ هي طبعٌ قد جاوز حدَّ التطبُّع. ومِن ثمَّ، ولست في هذا السياق أصف وأشرح أخلاقَ هؤلاء، وإنما أحاول ربط بُعدها بفنِّ ممارسة “الجماعة العلمية”… مِن ثمَّ، يجد هذا المرتاد “للأكاديميا” صفاءً على “صفحة قلبِه”، فتتوفَّز سريرته للتفكير السليم، ويزول كلُّ انقباض نفسيٍّ منه، ليحلَّ محلَّه الانشراح والانبساط، فتأتي أفكاره، وقراءاته، وكتاباته… انعكاسا لمرآة قلبه، وظلا لحقيقة روحه.
وأحسب أنَّ هذا الجانب الأخلاقيَّ الخطير، وهذه العلاقة القيْميَّة العميقة، بين شفافية القلب ونتاج العقل، مِن معرفةٍ وعلمٍ، أحسب أنَّ القرآن الكريم قد عالجه، ودفع إلى التبحُّر فيه، في آيات عديدة، منها قوله تعالى: “واتقوا الله ويعلَّمكم الله”، وقوله: “كذلك، إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء”… فهي إذن علاقة متكافئة، ثنائية الاتجاه بين العلم والتقوى، شريطة أن لا يُقصر العلم في جانبه التجريبي الماديِّ فقط، وأن لا تُحصر التقوى في الشعائر وكفى؛ بهذا يكون العلم سببًا للتقوى والخشيةِ من الله، ويكون الإيمان والتقوى بابًا للعلم؛ في حركة مباركة ولود.
ولقد نبه علماء التصوُّف(63) إلى مثل هذه العلاقة، وأبدعوا في ذلك أيما إبداع، لكنَّ البعض منهم راح بعد ذلك يقصر العلم في ذات التقوى والإيمان، ويلغي كلَّ علم آخر، ماديٍّ كان أم حضاريٍّ، فضيَّع الفرصة على الأمَّة لاكتشاف سرٍّ لا تزال البشرية تفتقده إلى اليوم؛ غير أنَّ ما كان عليه علماء فطاحل أمثال “ابن سينا، والفارابي، والرازي، والجزري…”، أظنه مِن هذا المقام السامق، لو أنَّ تاريخ العلوم، ونظرية المعرفة، والرؤية الكونية… لقيت منا البحث والتحليل الذاتي اللائق.

الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب؛ ترجمة محمد يوسف عدس؛ مجلة النور، الكويت، بافاريا، ألمانيا؛ 1994م؛ ص175.
(2) – للفيلسوف الفرنسي هنري برغسون كتاب بعنوان: “les deux sources de la morale et de la religion”، أي “مصدرا الأخلاق والدين”؛ وقد كشف عن مصدرين للأخلاق والدين: “قوة الضغط الاجتماعي، وقوة الجذب ذي الرحابة الإنسانية المستمدة من العون الإلهي”، وانظر- دراز: دستور الأخلاق، ص23.
(3) – طالع كتاب “Grounding for the Metaphysics of Morals” أي “أسس ميتافيزيقا الأخلاق” الذي نُشر عام 1785؛ وعالج فيه مؤلفه “عمانويل كانط” المبدأ الأسمى للمبادئ الأخلاقية. وقد أكد الكتور دراز أنه وافق المبدأ القرآني إلى حدٍّ بعيد.
(4) – استدعيت لتدريس مقياس “أخلاقيات العلوم” في قسم الدراسات العليا، جامعة الأمير عبد القادر، قسنطينة؛ وقد مكنني ذلك من الاطلاع على بعض مصادر هذا العلم؛ وقد وقفت على مشكلة المرتكز والأصل الذي تنبعث منه هذه الأخلاق، التي يغلب عليها النسق “المادي/الطبيعي”؛ وتغيب عنها الرؤية الكونية التوحيدية، لقصور وتقصير من العالم الإسلامي.
(5) – ينظر- علي سامي النشار: نشأة الدين، النظريات التطورية والمؤلهة؛ مكتبة الخانجي، مصر؛ 2005م. وبخاصة فصل “النظريات المختلفة في نشأة الدين” ص29 وما بعدها.
(6) – ينظر- ويل ديورانت: قصة الحضارة؛ نشر دار الجيل ـ بيروت؛ 1992م. بخاصة الجزء الأول؛ ثم ينظر تعريف مالك بن نبي، وتعريف فتح الله كولن، من خلال مختلف المصادر.
(7) – نموذج الرشد: هو نموذج تفسيري، يقوم على ثلاثة خصائص. وانظر التعريف في: البراديم كولن؛ نشر دار النيل، مصر؛ 2011م؛ ص13 وما بعدها. وقد تمَّ تشغيل النموذج في عدة أعمال، منها: رواية بوبال؛ نشر دار الفكر، سورية؛ 2012م.
(8) – كافين راييلي: الغرب والعالم، تاريخ الحضارة من خلال موضوعات؛ ترجمة عبد الوهاب المسيري، وهدى حجازي؛ سلسلة عالم المعرفة، رقم 90، الكويت؛ 1985م؛ مقدمة المسيري، ص18.
(9) – Stéphane Toussaint, Humanismes – Antihumanismes – De Ficin à Heidegger, Tome ILes Belles Lettres – L’Âne d’Or, Paris, février 2008.
(10) – كافين: نفس المرجع؛ ص18.
(11) – بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب؛ ص177.
(12) – في كتاب “الدين والعلم” لبرتراند راسل، نقرأ فصلا بعنوان “العلم والأخلاق”؛ فيه يعترف المؤلف أنَّ العلم لا يملك الكفاية اللازمة ليقول شيئا عن الأخلاق؛ ثم يقر أنَّ ما أورده إنما هو “آراء، وتعبير عن اعتقاد خاص، وليس تعبيرا عن كلمة العلم في هذا الموضوع”. ترجمة رمسيس عوض؛ دار الهلال، مصر؛ د.تا. ص224.
(13) – في كتاب “دستور الأخلاق في القرآن” للدكتور محمد عبد الله دراز، نقرأ توضيحا دقيقا لهذا المعنى، وذلك في قوله: “معنى أن يستنصح المرء عقله: أنه يقرأ في كتاب فطرته النقية، والإنسانية بصفة عامة، ما سبق أن فطرها الله عليه. وبعبارة أخرى: عندما يرجع أشد الناس إلحادا إلى سلطة العقل فإنه لا يفعل في الواقع سوى الإنصات إلى ذلكم الصوت الإلهي، الذي يتكلم في داخل كلٍّ منا، دون أن يذكر اسمه، وهو ينطق به صراحة عندما يتحدث إلى المؤمن” ترجمة عبد الصبور شاهين؛ نشر مؤسسة الرسالة، مصر؛ ص36.
(14) – النافعية: مصطلح من صياغة نموذج الرشد؛ وهو غير النفعية، ذلك أنَّ النافعية تتجاوز النفع المادي الدنيوي القريب، إلى كلِّ نفع معنوي ومادي وفكري وروحي واعتباري… الخ؛ وهو مشتق من الدعاء الذي تعلمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث أم سلمة: “اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا” رواه أبو داوود، وأحمد.. وغيرهما.
(15) – ينظر- علي شريعتي: العودة إلى الذات؛ دار الكتاب المصري، مصر؛ 2011م.
(16) – الوعاء الحضاري: من مفاهيم نموذج الرشد؛ وتعني الخلفية التي يستند إليها الشحص، بكل أشكالها وتلوناتها: الدينية، والخلقية، والثقافية، والجمالية… الخ.
(17) – النسيج الحضاري: من المفاهيم التي طرها نموذج الرشد؛ وهو العمق التاريخي التي يمتد إليها الوجود الزمني لأي شخص، أو فكر، أو مجتمع…
(18) – شروط النهضة؛ ص78.
(19) – ميلاد مجتمع؛ ص28-29.
(20) – نفس المرجع؛ ص40.
(21) – نفس المرجع؛ ص41.
(22) – وجهة العالم الإسلامي؛ ص30.
(23) – نفس المرجع؛ ص32.
(24) – نفس المرجع؛ ص38.
(25) – التلال الزمردية؛ ص118.
(26) – نفس المرجع؛ انظر الفهرس ص241-243.
(27) – النور الخالد؛ ص67 وما بعدها.
(28) – التلال الزمردية؛ ص104-106.
(29) – النور الخالد؛ ص75.
(30) – نفس المرجع؛ ص124 وما بعدها.
(31) – نفس المرجع؛ ص170.
(32) – نفس المرجع؛ ص180 وما بعدها.
(33) – نفس المرجع؛ ص285.
(34) – ونحن نقيم صرح الروح؛ ص142.
(35) – ونحن نبني حضارتنا؛ ص12.
(36) – شروط النهضة؛ ص88.
(37) – ميلاد مجتمع؛ ص72.
(38) – مجلة حراء، عدد 25، يوليو أغسطس 2011، المقال الرئيس، ص2.
(39) – ينظر- محمد باباعمي: أرباب المستوى؛ الأكاديميا باعتبارها جماعة علمية؛ نشر دار النيل، مصر؛ 2012م؛ فصل: “نظرية كل شيء بين عجز الفيزياء وتألق الوحي، فتح الله كولن نموذجا”؛ ص75-105.
(40) – ونحن نبني حضارتنا؛ ص62.
(41) – جيل كارول: محاورات حضارية؛ دار النيل، مصر؛ 2011م؛ ص39.
(42) – شروط النهضة؛ ص88.
(43) – ميلاد مجتمع؛ ص100.
(44) – مؤتمر دولي: مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية؛ جامعة الدول العربية، القاهرة، 19-21 أكتوبر 2009م؛ نشر دار النيل، 2011؛ ص578.
(45) – ونحن نقيم صرح الروح؛ مقال: الحركية والفكر؛ ص57.
(46) – طرق الإرشاد؛ ص06.
(47) – وجهة العالم الإسلامي؛ ج1/ص53.
(48) – ونحن نبني حضارتنا؛ ص94-95.
(49) – وجهة العالم الإسلامي؛ ج1/ص54.
(50) – ونحن نبني حضارتنا؛ ص103.
(51) – ونحن نقيم صرح الروح؛ ص39-40.
(52) – من كتاب أمير المؤمنين عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما؛ وفيه يقول: “إنَّ الحقَّ قديم، لا يبطل الحقَّ شيء، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل”؛ حديث موقوف، سنن البيهقي، كتاب الضحايا، باب اجتهاد الحاكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد؛ رقم 18754.
(53) – ونحن نقيم صرح الروح؛ ص14.
(54) – القدر في ضوء الكتاب والسنَّة؛ ص64-65.
(55) – ونحن نقيم صرح الروح؛ ص13.
(56) – نفسه.
(57) – نفسه.
(58) – ونحين نقيم صرح الروح؛ مقال مهندسو الروح الربانيون؛ ص85.
(59) – بديع الزمان النورسي: صيقل الإسلام؛ ص530.
(60) – شروط النهضة؛ ص31-32.
(61) – وجهة العالم الإسلامي؛ ج1/ص54.
(62) – وجهة العالم الإسلامي؛ ج1/ص165.
(63) – مثال ذلك قول الإمام القشيري في لطائف الإشارات: “أكرم الله الأصفياء من عباده بفهم ما أودعه من لطائف أسراره وأنواره؛ لاستبصار ما ضمنه من دقيق إشاراته وخفيِّ رموزه، بما لوَّح لأسرارهم من مكنونات، فوقفوا بما خصُّوا به من أنوار الغيب على ما استتر عن أغيارهم، ثم نطقوا على مراتبهم وأقدارهم، والحقُّ- سبحانه وتعالى- يلهمهم بما به يكرمهم، فهم به عنه ناطقون، وعن لطائفه مخبرون، وإليه يشيرون، وعنه يفصحون، والحكم إليه فى جميع ما يأتون به ويذرون”.

د/محمد باباعمي

المصدر : VEECOS.NET

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.